التفاسير

< >
عرض

هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
١٦٣
-آل عمران

روح المعاني

{ هُمْ } عائد على الموصولين باعتبار المعنى وهو مبتدأ، وقوله تعالى: { دَرَجَـٰتٌ } خبره والمراد هم متفاوتون إطلاقاً للملزوم على اللازم، أو شبههم بالدرج في تفاوتهم علواً وسفلاً على سبيل الاستعارة أو جعلهم نفس الدرجات مبالغة في التفاوت فيكون تشبيهاً بليغاً بحذف الأداة، وقيل: إن الكلام على حذف مضاف ولا تشبيه أي هم ذوو درجات أي منازل أو أحوال متفاوتة، وهذا معنى قول مجاهد والسدي: لهم درجات، وذهب بعضهم أن في الآية حينئذٍ تغليب الدرجات على الدركات إذ الأول للأول، والثاني للثاني { عَندَ ٱللَّهِ } أي في علمه وحكمه، والظرف متعلق بدرجات على المعنى، أو بمحذوف وقع صفة لها.

{ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } من الأعمال ودرجاتها فيجازيهم بحسبها ـ والبصير ـ كما قال حجة الإسلام هو الذي يشاهد ويرى حتى لا يعزب عنه ما تحت الثرى وإبصاره أيضاً منزه عن أن يكون بحدقة وأجفان، ومقدس عن أن يرجع إلى انطباع الصور والألوان في ذاته كما ينطبع في حدقة الإنسان، فإن ذلك من التغيير والتأثر المقتضي للحدثان وإذا نزه عن ذلك كان البصر في حقه تعالى عبارة عن الصفة ينكشف بها كمال نعوت المبصرات وذلك أوضح وأجلى مما نفهمه من إدراك البصر القاصر على ظواهر المرئيات انتهى، ويفهم منه أن البصر صفة زائدة على العلم ـ وهو الذي ذهب إليه الجمهور منا ومن المعتزلة. والكرامية قالوا: لأنا إذا علمنا شيئاً علماً جلياً ثم أبصرناه نجد فرقاً بين الحالتين بالبديهة، وإن في الحالة الثانية حالة زائدة هي الإبصار. وقال الفلاسفة والكعبـي وأبو الحسين البصري والغزالي عند بعض وادعى أن كلامه هذا مشير إليه أن بصره تعالى عبارة عن علمه تعالى بالمبصرات، ومثل هذا الخلاف في السمع، والحق أنهما زائدان على صفة العلم وأنهما لا يكيفان ولا يحدّان والإقرار بهما واجب كما وصف بهما سبحانه نفسه، وإلى ذلك ذهب السلف الصالح وإليه ينشرح الصدر.