التفاسير

< >
عرض

سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً
٦٢
-الأحزاب

روح المعاني

وقوله تعالى: { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِى ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } مصدر مؤكد أي سن الله تعالى ذلك في الأمم الماضية سنة وهي قتال الذين يسعون بالفساد بين قوم وإجلائهم عن أوطانهم وقهرهم أينما ثقفوا متصفين بذلك.

{ وَلَن تَجِدَ } أيها النبـي أو يا من يصح منك الوجدان أبداً { لِسُنَّةِ ٱللَّهِ } لعادته عز وجل المستمرة { تَبْدِيلاً } لابتنائها على أساس الحكمة فلا يبدلها هو جل شأنه وهيهات هيهات أن يقدر غيره سبحانه على تبديلها، ومن سبر أخبار الماضين وقف على أمر عظيم في سوء معاملتهم المفسدين فيما بينهم، وكأن الطباع مجبولة على سوء المعاملة معهم وقهرهم، وفي «تفسير الفخر»: { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } أي ليست هذه السنة مثل الحكم الذي يتبدل وينسخ فإن النسخ يكون في الأحكام أما الأفعال والأخبار فلا تنسخ.

وللسدي كلام غريب في الآية لا أظن أن أحداً قال به. أخرج ابن أبـي حاتم عنه أنه قال فيها: كان النفاق على ثلاثة أوجه: نفاق مثل نفاق عبد الله بن سلول ونظائره كانوا وجوهاً من وجوه الأنصار فكانوا يستحيون أن يأتوا الزنا يصونون بذلك / أنفسهم وهم المنافقون في الآية، ونفاق الذين في قلوبهم مرض وهم منافقون إن تيسر لهم الزنا عملوه وإن لم يتيسر لم يتبعوه ويهتموا بأمره، ونفاق المرجفين وهم منافقون يكابرون النساء يقتصون أثرهن فيغلبوهن على أنفسهن فيفجرون بهن، وهؤلاء الذين يكابرون النساء { { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } [الأحزاب: 60] يقول سبحانه لنعلمنك بهم ثم قال تعالى: { { مَّلْعُونِينَ } [الأحزاب: 61] ثم فصلت الآية { أَيْنَمَا ثُقِفُواْ } يعملون هذا العمل مكابرة النساء { أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً } ثم قال السدي: هذا حكم في القرآن ليس يعمل به لو أن رجلاً وما فوق اقتصوا أثرا امرأة فغلبوها على نفسها ففجروا بها كان الحكم فيهم غير الجلد والرجم وهو أن يؤخذوا فتضرب أعناقهم { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِى ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } كذلك كان يفعل بمن مضى من الأمم { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } فمن كابر امرأة على نفسها فغلبها فقتل فليس على قاتله دية لأنه يكابر انتهى.

والظاهر أنه قد وقع الانتهاء من المنافقين والذين في قلوبهم مرض عما هو المقصود بالنهي وهو ما يستتبعه حالهم من الإيذاء ولم يقع من المرجفين أعني اليهود فوقع القتال والإجلاء لهم. وفي «البحر» الظاهر أن المنافقين - يعني جميع من ذكر في الآية - انتهوا عما كانوا يؤذون به الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتستر جميعهم وكفوا خوفاً من أن يقع بهم ما وقع القسم عليه وهو الإغراء والإجلاء [والأخذ] والقتل. وحكي ذلك عن الجبائي، وعن أبـي مسلم لم ينتهوا وحصل الإغراء بقوله تعالى: { جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّـٰرَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } [التوبة: 73] وفيه أن الإجلاء والقتل لم يقعا للمنافقين والجهاد في الآية قولي، وقيل: إنهم لم يتركوا ما هم عليه ونهوا عنه جملة ولا نفذ عليهم الوعيد كاملاً ألا ترى إلى إخراجهم من المسجد ونهيه تعالى عن الصلاة عليهم وما نزل في سورة براءة، وزعم بعضهم أنه لم ينته أحد من المذكورين أصلاً ولم ينفذ الوعيد عليهم ففيه دليل على بطلان القول بوجوب نفاذ الوعيد في الآخرة ويكون هذا الوعيد في الآخرة ويكون هذا الوعيد مشروطاً بالمشيئة وفيه من البعد ما فيه.