التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً
٤٠
-فاطر

روح المعاني

{ قُلْ } تبكيتاً لهم { قُلْ أَرَءيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي آلهتكم، والإضافة إليهم لأدنى ملابسة حيث أنهم هم الذين جعلوهم شركاء الله تعالى واعتقدوهم كذلك من غير أن يكون له أصل ما أصلاً. وقيل: الإضافة حقيقية من حيث إنهم جعلوهم شركاء لأنفسهم فيما يملكونه أوجعلهم الله تعالى شركاء لهم في النار كما قال سبحانه { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] والصفة عليهما مقيدة لا مؤكدة، وسياق النظم الكريم وسباقه ظاهران فيما تقدم.

{ أَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } بدل اشتمال من { أَرَءيْتُمْ } لأنه بمعنى / أخبروني كأنه قيل: أخبروني عن شركائكم أروني أي جزء خلقوا من الأرض حتى يستحقوا الإلهية والشركة. وجوز أن يكون بدل كل، وقال أبو حيان: لا تجوز البدلية لأنه إذا بدل مما دخل عليه الاستفهام فلا بد من دخول الأداة على البدل، وأيضاً إبدال الجملة من الجملة لم يعهد في لسانهم ثم البدل على نية تكرار العامل ولا يتأتى ذلك هٰهنا لأنه لا عامل لأرأيتم ثم قال: والذي أذهب إليه أن { أَرَءيْتُمْ } بمعنى أخبروني وهي تطلب مفعولين أحدهما منصوب والآخر مشتمل على الاستفهام كقول العرب أرأيت زيداً ما صنع فالأول هنا { شُرَكَاؤُكُمُ } والثاني { مَاذَا خَلَقُواْ } و { أَرُونِىَ } جملة اعتراضية فيها تأكيد للكلام وتسديد، ويحتمل أن يكون ذلك أيضاً من باب الإعمال لأنه توارد على { مَاذَا خَلَقُواْ } (أرأيتم) و(أروني) لأن أروني قد تعلق عن مفعولها الثاني كما علقت رأي التي لم تدخل عليها همزة النقل عن مفعولها في قولهم: أما ترى أي برق هٰهنا ويكون قد أعمل الثاني على المختار عند البصريين انتهى.

وما ذكره احتمال في الآية الكريمة كما أن ما ذكر أولاً احتمال وما قاله في رده ليس بشيء، أما الأول فلأن لزوم دخول الأداة على البدل فيما إذا كان الاستفهام باق على معناه أما إذا نسخ عنه كام هنا فليس ذلك بلازم، وأما الثاني فلأن أهل العربية والمعاني نصوا على خلافه وقد ورد في كلام العرب كقوله:

أقول له ارحل لا تقيمن عندنا وإلا فكن في السر والجهر مسلماً

وأما الثالث فلأن كون البدل على نية تكرار العامل إنما هو كما نقل الخفاجي عنهم في بدل المفردات.

وليس لك أن تقول العامل هنا موجود وهو { قُلْ } لأن العبرة بالمقول ولا عامل فيه إذ يقال وهو ظاهر، وجوز أن لا يكون { أَرَءيْتُمْ } بمعنى أخبروني بل المراد حقيقة الاستفهام عن الرؤية وأروني أمر تعجيز للتبيين أي أعلمتم هذه التي تدعونها ما هي وعلى ما هي عليه من العجز أو تتوهمون فيها قدرة فإن كنتم تعلمونها عاجرة فكيف تعبدونها أو كنتم توهمتم فيها قدرة فأروني أثرها، وما تقدم أظهر.

{ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ } أي بل ألهم شركة مع الله عز وجل في خلق السماوات حتى يستحقوا ما زعمتم فيهم، وقال بعضهم: الأولى أن لا يقدر مضاف على أن المعنى أم لهم شركة معه سبحانه في السماوات خلقاً وإبقاء وتصرفاً لأن المقصود نفي آيات الإلهية عن الشركاء وليست محصورة في الخلق والتقدير أوفق بما قبله، والكلام قيل من باب التدرج من الاستقلال إلى إلى الشركة ثم منها إلى حجة وبينة مكتوبة بالشركة كأنه قيل: أخبروني عن الذين تدعون من دون الله هل استبدوا بخلق شيء من الأرض حتى يكونوا معبودين مثل الله تعالى بل ألهم شركة معه سبحانه في خلق السماوات.

{ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً } أي بل آتيناهم كتاباً ينطق بأنا اتخذناهم شركاء { فَهُمْ عَلَىٰ بَيّنَتٍ مِنْهُ } أي حجة ظاهرة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة معنا. وقال في «الكشف» الظاهر أن الكلام مبني على الترقي في إثبات الشركة لأن الاستبداد بخلق جزء من الأرض شركة ما معه عز وجل والاشتراك معه سبحانه في خلق السماوات أدل على إثباتها ثم إيتاء كتاب منه تعالى على أنهم شركاؤه أدل وأدل، وقيل: هم في { ءاتَيْنَـٰهُمُ } للمشركين وكذا في { فَهُمْ } كما في قوله تعالى: { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰناً } [الروم: 35] الخ ففي الكلام التفات من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة إعراضا عن المشركين وتنزيلاً لهم منزلة الغيب. والمعنى أن عبادة هؤلاء إما بالعقل ولا عقل يحكم بصحة عبادة من لا يخلق جزأ ما من الأرض دلالة شرك في السماء وإما بالنقل ولم نؤت المشركين كتاباً فيه الأمر بعبادة هؤلاء، وفيه تفكيك للضمائر، وقال بعضهم: ضمير / { ءاتَيْنَـٰهُمُ } للشركاء كالضمائر السابقة وضمير { فَهُمْ عَلَىٰ بَيّنَةٍ } للمشركين و «أم» منقطعة للإضراب عن الكلام السابق وزعم أن لا التفات حينئذ ولا تفكيك فتأمل.

وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب وأبو بكر { عَلَىٰ بَيّنَـٰتٍ } بالجمع فيكون إيماء إلى أن الشرك خطير لا بد فيه من تعاضد الدلائل وهو ضرب من التهكم.

{ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّـٰلِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً } لما نفى سبحانه ما نفى من الحجج في ذلك أضرب عز وجل عنه بذكر ما حملهم على الشرك وهو تغرير الأسلاف للأخلاف وإضلال الرؤساء للأتباع بأنهم شفعاء عند الله تعالى يشفعون لهم بالتقرب إليهم، والآية عند الكثير في عبدة الأصنام وحكمها عام؛ وقيل: في عبدة غير الله عز وجل صنماً كان أو ملكاً أو غيرهما.