التفاسير

< >
عرض

أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً
٥٤
-النساء

روح المعاني

{ أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ } انتقال من توبيخهم بالبخل إلى توبيخهم بالحسد الذي هو من أقبح الرذائل المهلكة من اتصف بها دنيا وأخرى، وذكره بعده من باب الترقي، و { أَمْ } منقطعة والهمزة المقدرة بعدها لإنكار الواقع، والمراد من الناس سيدهم بل سيد الخليقة على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم وإلى هذا ذهب عكرمة ومجاهد والضحاك وأبو مالك وعطية، وقد أخرج ابن أبـي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «قال أهل الكتاب: زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة وليس همه إلا النكاح فأي ملك أفضل من هذا فأنزل الله تعالى هذه الآية». وذهب قتادة والحسن وابن جريج إلى أن المراد بهم العرب، وعن أبـي جعفر وأبـي عبد الله أنهم النبـي وآله عليه وعليهم أفضل الصلاة وأكمل السلام، وقيل: المراد بهم جميع الناس الذين بعث إليهم النبـي صلى الله عليه وسلم من الأسود والأحمر أي بل أيحسدونهم { عَلَىٰ مَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } يعني النبوة وإباحة تسع نسوة أو بعثة النبـي صلى الله عليه وسلم منهم ونزول القرآن بلسانهم أو جمعهم كمالات تقصر عنها الأماني، أو تهيئة سبب رشادهم ببعثة النبـي صلى الله عليه وسلم إليهم، والحسد على هذا مجاز لأن اليهود لما نازعوه في نبوته صلى الله عليه وسلم التي هي إرشاد لجميع الناس فكأنما حسدوهم جمع { فَقَدْ ءاتَيْنَا } تعليل للإنكار والاستقباح وإجراء الكلام على سنن الكبرياء بطريق الالتفات لإظهار كمال العناية بالأمر، والفاء كما قيل: فصيحة أي أن يحسدوا الناس على ما أوتوا فقد أخطأوا إذ ليس الإيتاء ببدع منا لأنا قد آتينا من قبل هذا { ءالَ إِبْرٰهِيمَ ٱلْكِتَـٰبِ } أي جنسه والمراد به التوراة والإنجيل أو هما والزبور { وَٱلْحِكْــمَةِ } أي النبوة، أو إتقان العلم والعمل، أو الأسرار المودعة في الكتاب أقوال { وَءاتَيْنَـٰهُمْ } مع ذلك { مُّلْكاً عَظِيماً } لا يقادر قدره، وجوز أن يكون المعنى أنهم لا ينتفعون بهذا الحسد فإنا قد آتينا هؤلاء ما آتينا مع كثرة الحساد الجبابرة من نمروذ. وفرعون. وغيرهما فلم ينتفع الحاسد ولم يتضرر المحسود، وأن يراد أن حسدهم هذا في غاية القبح والبطلان فإنا قد آتينا من قبل أسلاف هذا النبـي المحسود صلى الله عليه وسلم وأبناء عمه ما آتيناهم فكيف يستبعدون نبوته عليه الصلاة والسلام ويحسدونه على إيتائها وتكرير الإيتاء لما يقتضيه مقام التفصيل مع الإشعار بما بين الملك وما قبله من المغايرة، والمراد من الإيتاء إما الإيتاء بالذات وإما ما هو أعم منه ومن الإيتاء بالواسطة، وعلى الأول: فالمراد من آل إبراهيم أنبياء ذريته، ومن الضمير الراجع إليهم من { ءاتَيْنَـٰهُمُ } بعضهم، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الملك في آل إبراهيم ملك يوسف وداود وسليمان عليهم السلام، وخصه السدي بما أحل لداود. وسليمان من النساء فقد كان للأول تسع وتسعون امرأة / ولولده ثلثمائة امرأة ومثلها سرية» وعن محمد بن كعب قال: «بلغني أنه كان لسليمان عليه السلام ثلثمائة امرأة وسبعمائة سرية»، وعلى الثاني: فالمراد بهم ذريته كلها فإن تشريف البعض بما ذكر تشريف للكل (لاغتنامهم بآثار ذلك واقتباسهم من أنوار). ومن الناس من فسر الحكمة بالعلم والملك العظيم بالنبوة، ونسب ذلك إلى الحسن ومجاهد، ولا يخفى أن إطلاق الملك العظيم على النبوة في غاية البعد والحمل على المتبادر أولى.