التفاسير

< >
عرض

وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً
٨٩
-النساء

روح المعاني

{ وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } بيان لغلوهم وتماديهم في الكفر وتصديهم لإضلال غيرهم إثر بيان كفرهم وضلالتهم في أنفسهم، و { لَوْ } مصدرية لا جواب لها أي تمنوا أن تكفروا؛ وقوله تعالى: { كَمَا كَفَرُواْ } نعت لمصدر محذوف، و (ما) مصدرية أي كفراً مثل كفرهم، أو حال من ضمير ذلك المصدر كما هو رأي سيبويه، ولا دلالة / في نسبة الكفر إليهم على أنه مخلوق لهم استقلالاً لا دخل لله تعالى فيه لتكون هذه الآية دليلاً على صرف ما تقدم عن ظاهره كما زعمه ابن حرب لأن أفعال العباد لها نسبة إلى الله تعالى باعتبار الخلق، ونسبة إلى العباد باعتبار الكسب بالمعنى الذي حققناه فيما تقدم، وقوله تعالى: { فَتَكُونُونَ سَوَاءً } عطف على { لَوْ تَكْفُرُونَ } داخل معه في حكم التمني أي: ودوا لو تكفرون فتكونون مستوين في الكفر والضلال، وجوز أن تكون كلمة { لَوْ } على بابها، وجوابها محذوف كمفعول (ود) أي ودوا كفركم لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء لسروا بذلك.

{ فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء } الفاء فصيحة، وجمع { أَوْلِيَاء } مراعاة لجمع المخاطبين فإن المراد نهي كل من المخاطبين عن اتخاذ كل من المنافقين ولياً أي إذا كان حالهم ما ذكر من الودادة فلا توالوهم. { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي حتى يؤمنوا وتحققوا إيمانهم بهجرة هي لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا لغرض من أغراض الدنيا، وأصل السبيل الطريق، واستعمل كثيراً في الطريق الموصلة إليه تعالى وهي امتثال الأوامر واجتناب النواهي، والآية ظاهرة في وجوب الهجرة. وقد نص في «التيسير» على أنها كانت فرضاً في صدر الإسلام، وللهجرة ثلاث استعمالات: أحدها: الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام وهو الاستعمال المشهور، وثانيها: ترك المنهيات، وثالثها: الخروج للقتال وعليه حمل الهجرة من قال: إن الآية نزلت فيمن رجع يوم أحد على ما حكاه خبر الشيخين وجزم به في الخازن { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي أعرضوا عن الهجرة في سبيل الله تعالى ـ كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ { فَخُذُوهُمْ } إذا قدرتم عليهم { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } من الحل والحرم فإن حكمهم حكم سائر المشركين أسراً وقتلاً، وقيل: المراد القتل لا غير إلا أن الأمر بالأخذ لتقدمه على القتل عادة. { وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } أي جانبوهم مجانبة كلية ولا تقبلوا منهم ولاية ولا نصرة أبداً كما يشعر بذلك المضارع الدال على الاستمرار أو التكرير المفيد للتأكيد.