التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ
٤٨
-غافر

روح المعاني

{ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } للضعفاء { إِنَّا كُلٌّ فِيهَا } نحن وأنتم / فكيف نغني عنكم؟ ولو قدرنا لدفعنا عن أنفسنا شيئاً من العذاب. ورفع { كُلٌّ } على الابتداء وهو مضاف تقديراً لأن المراد كلنا و { فِيهَا } خبره والجملة خبر (إن). وقرأ ابن السميقع وعيسى بن عمر { كلاً } بالنصب، وخرجه ابن عطية والزمخشري على أنه توكيد لاسم (إن)، وكون كل المقطوع عن الإضافة يقع تأكيداً اكتفاء بأن المعنى عليها مذهب الفراء ونقله أبو حيان عن الكوفيين، ورده ابن مالك في «شرحه للتسهيل»، وقيل: هو حال من المستكن في الظرف. وتعقب بأنه في معنى المضاف ولذا جاز الابتداء به فكيف يكون حالاً، وإذا سلم كفاية هذا المقدار من التنكير في الحالية فالظرف لا يعمل في الحال المتقدمة كما يعمل في الظرف المتقدم نحو كل يوم لك ثوب.

وأجيب عن أمر العمل بأن الأخفش أجاز عمل الظرف في حال إذا توسطت بينه وبين المبتدأ نحو زيد قائماً في الدار عندك وما في الآية الكريمة كذلك، على أن بعضهم أجاز ذلك ولو تقدمت الحال على المبتدأ والظرف؛ نعم منعه بعضهم مطلقاً لكن المخرج لم يقلده، وابن الحاجب جوزه في بعض كتبه ومنعه في بعض، قيل: وقد يوفق بينهما بأن المنع على تقدير عمل الظرف لنيابته عن متعلقه، والجواز على جعل العامل متعلقه المقدر فيكون لفظياً لا معنوياً، وإلى هذا التخريج ذهب ابن مالك وأنشد له قول بعض الطائيين:

دعا فأجبنا وهو بادي ذلة لديكم فكان النصر غير قريب

وحَمَلَ قوله تعالى: { وَٱلسَّمَـٰوٰتُ مَطْوِيَّـٰتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر: 67] في قراءة النصب على ذلك. وقال أبو حيان: الذي أختاره في تخريج هذه القراءة أن كلاً بدل من اسم (إن) لأن كلاً يتصرف فيها بالابتداء ونواسخه وغير ذلك فكأنه قيل: إن كلاً فيها. وإذا كانوا قد تأولوا حولاً أكتعاً ويوماً أجمعاً على البدل مع أنهما لا يليان العوامل فأن يدعى في كل البدل أولى، وأيضاً فتنكير { كل } ونصبه حالاً في غاية الشذوذ نحو مررت بهم كلاً أي جميعاً. ثم قال: فإن قلت: كيف تجعله بدلاً وهو بدل كل من كل من ضمير المتكلم وهو لا يجوز على مذهب جمهور النحويين؟ قلت: مذهب الأخفش والكوفيين جوازه وهو الصحيح، على أن هذا ليس مما وقع فيه الخلاف بل إذا كان البدل يفيد الإحاطة جاز أن يبدل من ضمير المتكلم وضمير المخاطب لا نعلم خلافاً في ذلك كقوله تعالى: { { تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا } [المائدة: 114] وكقولك: مررت بكم صغيركم وكبيركم معناه مررت بكم كلكم وتكون لنا عيداً كلنا، فإذا جاز ذلك فيما هو بمعنى الإحاطة فجوازه فيما دل على الإحاطة وهو { كُلٌّ } أولى ولا التفات لمنع المبرد البدل فيه لأنه بدل من ضمير المتكلم لأنه لم يحقق مناط الخلاف انتهى، ولعل القول بالتوكيد أحسن من هذا وأقرب، وردُّ ابنِ مالك له لا يعول عليه.

{ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ } فأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وقدر لكل منا ومنكم عذاباً لا يدفع عنه ولا يتحمله عنه غيره.