التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ
١٠٠
-الأنعام

روح المعاني

{ وَجَعَلُواْ } في اعتقادهم { لِلَّهِ } الذي شأنه ما فصل في تضاعيف هذه الآيات { شُرَكَاءَ } في الألوهية أو الربوبية { ٱلْجِنَّ } أي / الملائكة حيث عبدوهم وقالوا: إنهم بنات الله سبحانه. وتسميتهم جناً مجاز لاجتنانهم واستتارهم عن الأعين كالجن. وفي التعبير عنهم بذلك حط لشأنهم بالنسبة إلى مقام الإلهية، وروي هذا عن قتادة والسدي. ويفهم من كلام بعضهم أن الجن تشمل الملائكة حقيقة. وقيل: المراد بهم الشياطين وروى عن الحسن. ومعنى جعلهم شركاء أنهم أطاعوهم كما يطاع الله تعالى أو عبدوا الأوثان بتسويلهم وتحريضهم. ويروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن الآية نزلت في الزنادقة الذين قالوا: إن الله تعالى خالق الناس والدواب والأنعام والحيوان، وإبليس خالق السباع والحيات والعقارب والشرور. فالمراد من الجن إبليس وأتباعه الذين يفعلون الشرور ويلقون الوساوس الخبيثة إلى الأرواح البشرية، وهؤلاء المجوس القائلون بالنور والظلمة ولهم في هذا الباب أقوال تمجها الأسماع وتشمئز عنها النفوس. وادعى الإمام أن هذا أحسن الوجوه المذكورة في الآية. ومفعولا ـ جعل ـ قيل: (لله) و(شركاء) و(الجن) إما منصوب بمحذوف وقع جواباً عن سؤال كأنه قيل: من جعلوه شركاء؟ فقيل: الجن، أو منصوب على البدلية من { شُرَكَاءَ } والمبدل منه ليس في حكم الساقط بالكلية وتقديم المفعول الثاني لأنه محز الإنكار ولأن المفعول الأول منكر يستحق التأخير وقيل: هما { شُرَكَاءَ } و{ ٱلْجِنَّ } وتقديم ثانيهما على الأول لاستعظام أن يتخذ لله سبحانه شريك ما كائناً ما كان، و { لِلَّهِ } متعلق بشركاء وتقديمه عليه للنكتة المذكورة أيضاً على ما اختاره الزمخشري وقرىء { ٱلْجِن } بالرفع كأنه قيل: من هم؟ فقيل: الجن وبالجر على الإضافة التي هي للتبيين.

{ وَخَلَقَهُمْ } حال من فاعل { جَعَلُواْ } بتقدير قد أو بدونه على اختلاف الرأيين مؤكدة لما في جعلهم ذلك من الشناعة والبطلان باعتبار علمهم بمضمونها أي وقد علموا أن الله تعالى خالقهم خاصة، وقيل: الضمير (للجن) أي والحال أنه تعالى خلق الجن فكيف يجعلون مخلوقه شريكاً له. ورجح الأول بخلوه عن تشتت الضمائر ورجح الإمام الثاني بأن عود الضمير إلى أقرب المذكورات واجب، وبأنه إذا رجع الضمير إلى هذا الأقرب صار اللفظ الواحد دليلاً قاطعاً تاماً كاملاً في إبطال المذهب الباطل. وقرأ يحيى بن يعمر { وَخَلَقَهُمْ } على صيغة المصدر عطفاً على { ٱلْجِنَّ } أي وما يخلقونه من الأصنام أو على { شُرَكَاءَ } أي وجعلوا له اختلاقهم للقبائح حيث نسبوها إليه سبحانه وقالوا: { { الله أمرنا بها } [الأعراف:28].

{ وَخَرَقُواْ لَهُ } أي افتعلوا وافتروا له سبحانه، قال الفراء: يقال: خلق الإفك واختلقه وخرقه واخترقه بمعنى. ونقل عن الحسن أنه سئل عن ذلك فقال: كلمة عربية كانت العرب تقولها كان الرجل إذا كذب كذبة في نادي القوم يقول له بعضهم: قد خرقها والله. وقال الراغب «أصل الخرق قطع الشيء على سبيل الفساد من غير تفكر ولا تدبر ومنه قوله تعالى: { { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا } [الكهف: 71] وهو ضد الخلق فإنه فعل الشيء بتقدير ورفق والخرق بغير تقدير قال تعالى: { وَخَرَقُواْ لَهُ } أي حكموا بذلك على سبيل الخرق وباعتبار القطع». وقرأ نافع { وَخَرَقُواْ } بتشديد الراء للتكثير. وقرأ ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم { وحرفوا } من التحريف أي وزوروا له.

{ بَنِينَ وَبَنَاتٍ } فقالت اليهود؛ عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله وقالت العرب الملائكة بنات الله والله سبحانه منزه عما قالوه { بِغَيْرِ عِلْمٍ } بحقيقته من خطأ أو صواب / ولا فكر ولا روية فيه بل قالوه عن عمى وجهالة أو بغير علم بمرتبة ما قالوه وأنه من الشناعة بالمحل البعيد. وأياً ما كان فالجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالاً من الواو أو نعت لمصدر مؤكد أي خرقوا ملتبسين بغير علم أو خرقاً كائناً بغير علم والمقصود على الوجهين ذمهم بالجهل، وقيل: إن ذلك كناية عن نفي ما قالوا فإن ما لا أصل له لا يكون معلوماً ولا يقام عليه دليل، ولا حاجة إليه إذ نفيه معلوم من جعله اختلاقاً وافتراء ومن قوله عز وجل: { سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } من أن له جل شأنه شريكاً أو ولداً. وقد تقدم الكلام في سبحان وما يفيده من المبالغة في التنزيه. و { تَعَالَى } عطف على الفعل المضمر الناصب لسبحان. وفرق الإمام بين التسبيح والتعالي بأن الأول راجع إلى أقوال المسبحين والثاني إلى صفاته تعالى الذاتية التي حصلت لذاته سبحانه لا لغيره والمراد بالبنين فيما تقدم ما فوق الواحد أو أن من يجوز الواحد يجوز الجمع.