التفاسير

< >
عرض

ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ
١٤٣
-الأنعام

روح المعاني

{ ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } الزوج يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة ويطلق على مجموعهما، والمراد به هنا الأول وإلا كانت أربعة. وإيرادها بهذا العنوان وهذا العدد أوفق لما سيق له الكلام. و { ثَمَـٰنِيَةٌ } ـ على ما قاله الفراء واختاره غير واحد من المحققين ـ بدل من { { حَمُولَةً وَفَرْشًا } [الأنعام: 142] منصوب بما نصبهما وهو ظاهر على تفسير الحمولة والفرش بما يشمل الأزواج الثمانية أما لو خص ذلك بالإبل ففيه خفاء. وجوز أن يكون التقدير وأنشأ ثمانية وأنه معطوف على { { جَنَّـٰتٍ } [الأنعام: 141] وحذف الفعل وحرف العطف، وضعفه أبو البقاء ووجهه لا يخفى. وأن يكون مفعولاً لكلوا الذي قبله والتقدير كلوا لحم ثمانية أزواج { { وَلاَ تَتَّبِعُواْ } [الأنعام: 142] جملة معترضة. وأن يكون حالاً من ما مراداً بها الأنعام ويؤول بنحو مختلفة أو متعددة ليكون بياناً للهيئة، وهو عند من يشترط في الحال أن يكون مشتقاً أو مؤولاً به ظاهر. وتعقب ذلك شيخ الإسلام «بأنه يأباه جزالة النظم الكريم لظهور أنه مسوق لتوضيح حال الأنعام بتفصيلها أولاً إلى حمولة وفرش ثم تفصيلها إلى ثمانية أزواج حاصلة من تفصيل الأول إلى الإبل والبقر وتفصيل الثاني إلى الضأن والمعز ثم / تفصيل كل من الأقسام الأربعة إلى الذكر والأنثى كل ذلك لتحرير المواد التي تقولوا فيها عليه سبحانه بالتحليل والتحريم ثم تبكيتهم بإظهار كذبهم وافترائهم في كل مادة مادة من تلك المواد بتوجيه الإنكار إليها مفصلة» انتهى. وفيه منع ظاهر.

وقوله سبحانه: { مّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ } على معنى زوجين اثنين الكبش والنعجة. ونصب { ٱثْنَيْنِ } قيل: على أنه بدل من { ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } بدل بعض من كل أو كل من كل إن لوحظ العطف عليه منصوب بناصبه والجار متعلق به. وقال العلامة الثاني: الظاهر أن { مّنَ ٱلضَّأْنِ } بدل من { { ٱلأَنْعَـٰمِ } [الأنعام: 142] و { ٱثْنَيْنِ } من { { حَمُولَةً وَفَرْشًا } [الأنعام: 142] أو من { ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } إن جوزنا أن يكون للبدل بدل، وجوز أن يكون البدل { ٱثْنَيْنِ } ومن الضأن حال من النكرة قدمت عليها. وقرىء { ٱثْنَانِ } على أنه مبتدأ خبره الجار والمجرور، والجملة بيانية لا محل لها من الإعراب، والضأن اسم جنس كالإبل جمع ضئين كأمير وكعبيد أو جمع ضائن كتاجر وتجر، وقرىء بفتح الهمزة وهو لغة فيه.

{ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ } زوجين { ٱثْنَيْنِ } التيس والعنز. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن عامر بفتح العين وهو جمع ماعز كصاحب وصحب وحارس وحرس. وقرأ أبـي { ومن المعزى } وهو اسم جمع معز، وهذه الأزواج الأربعة ـ على ما اختاره شيخ الإسلام ـ تفصيل للفرش قال: «ولعل تقديمها في التفصيل مع تأخر أصلها في الإجمال لكون هذين النوعين عرضة للأكل الذي هو معظم ما يتعلق به الحل والحرمة وهو السر في الاقتصار على الأمر به في قوله تعالى: { { كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } [الأنعام: 142] من غير تعرض للانتفاع بالحمل والركوب وغير ذلك مما حرموه في السائبة وأخواتها. ومن الناس من علل التقديم بأشرفية الغنم ولهذا رعاها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو لا يناسب المقام كما لا يخفى.

{ قُلْ } تبكيتاً لهم وإظهاراً لعجزهم عن الجواب { ءَآلذَّكَرَيْنِ } ذكر الضأن وذكر المعز { حَرَّمَ } الله تعالى { أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ } أي أنثى ذينك الصنفين، ونصب الذكرين والأنثيين بحرم { أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلانثَيَيْنِ } أي أم الذي حملته إناث النوعين ذكراً كان أو أنثى. { نَبّئُونِي بِعِلْمٍ } أي أخبروني بأمر معلوم من جهته تعالى جاءت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يدل على أنه تعالى حرم شيئاً مما ذكر أو نبئوني تنبئة متلبسة بعلم صادرة عنه { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في دعوى التحريم عليه سبحانه وتعالى، والأمر تأكيد للتبكيت وإظهار الإنقطاع.