التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
٢٢
-الأنعام

روح المعاني

{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } منصوب على الظرفية بمضمر يقدر مؤخراً وضمير { نَحْشُرُهُمْ } للكل أو للعابدين للآلهة الباطلة مع معبوداتهم و { جَمِيعاً } حال منه أي ويوم نحشر كل الخلق أو الكفار وآلهتهم جميعاً ثم نقول لهم ما نقول كان كيت وكيت. وترك هذا الفعل من الكلام ليبقى على الإبهام الذي هو أدخل في التخويف والتهويل. وقدر ماضياً ليدل على التحقيق ويحسن عطف { { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ } [الأنعام: 23] الخ عليه، وجوز نصبه على المفعولية بمضمر مقدر أي واذكر لهم للتخويف والتحذير يوم نحشرهم واختاره أبو البقاء، وقيل: التقدير ليتقوا أو ليحذروا يوم نحشرهم الخ.

{ ثُمَّ نَقُولُ } للتوبيخ والتقريع على رؤوس الأشهاد { لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } بالله تعالى ما لم ينزل به سلطاناً: { أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ } أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله عز اسمه فالإضافة لأدنى ملابسة و { أَيْنَ } للسؤال عن غير الحاضر، وظاهر قوله تعالى: { { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوٰجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [الصافات: 22] وغيره من الآيات يقتضي حضورهم معهم في المحشر فأما أن يقال: إن هذا السؤال حين يحال بينهم بعد ما شاهدوهم ليشاهدوا خيبتهم كما قيل:

كما أبرقت قوماً عطاشاً غمامة فلما رأوها أقشعت وتجلت

وإما أن يقال: إنه حال مشاهدتهم لهم لكنهم لما لم ينفعوهم نزلوا منزلة الغيب كما تقول لمن جعل أحداً ظهيراً يعينه في الشدائد إذا لم يعنه وقد وقع في ورطة بحضرته أين زيد؟ فتجعله لعدم نفعه وإن كان حاضراً كالغائب أو الكلام على تقدير مضاف أي أين نفعهم وجدواهم؟، والتزم بعضهم القول بأنهم غيب لظاهر / السؤال، وقوله تعالى: { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ ٱلَّذِينَ } إلى قوله سبحانه { { وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [الأنعام: 94]. وأجيب أن يكون ذلك في موطن آخر جمعا بين الآيات أو المعنى وما نرى شفاعة شفعائكم.

وقال شيخ الإسلام: «إن هذا السؤال المنبىء عن غيبة الشركاء مع عموم الحشر لها للآيات الدالة على ذلك إنما يقع بعد ما جرى بينها وبينهم من التبري من الجانبين وتقطع ما بينهم من الأسباب حسبما يحكيه قوله سبحانه: { { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [يونس: 28] الخ ونحوه إما بعدم حضورها حينئذ في الحقيقة بإبعادها من ذلك الموقف، وإما بتنزيل عدم حضورها بعنوان الشركة والشفاعة منزلة عدم حضورها في الحقيقة إذ ليس السؤال عنها من حيث [ذواتها بل وإنما هو من حيث] هي شركاء كما يعرب عنه الوصف بالموصول، ولا ريب في أن عدم الوصف يوجب عدم الموصوف من حيث هو موصوف فهي من حيث هي شركاء غائبة لا محالة وإن كانت حاضرة من حيث ذواتها أصناماً كانت أو لا. وأما ما يقال من أنه يحال بينها وبينهم وقت التوبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بها الرجاء [فيها] فيروا مكان خزيهم وحسرتهم فربما يشعر بعدم شعورهم بحقيقة الحال وعدم انقطاع حبال رجائهم عنها بعد. وقد عرفت أنهم شاهدوها قبل ذلك وانصرمت عروة أطماعهم عنها بالكلية على أنها معلومة لهم من حين الموت والابتلاء بالعذاب في البرزخ. وإنما الذي يحصل في الحشر الانكشاف الجلي واليقين القوي المترتب على المحاضرة والمحاورة» اهـ.

وتعقبه مولانا الشهاب بأنه تخيل لا أصل له لأن التوبيخ مراد في الوجوه كلها، ولا يتصور حينئذ التوبيخ إلا بعد تحقق خلافه، مع أن كون هذا واقعاً بعد التبري في موقف آخر ليس في النظم ما يدل عليه ومثله لا يجزم به من غير نقل لاحتمال أن يكون هذا في موقف التبري والإشعار المذكور لا يتأتى مع أنه توبيخ. وأما العلاوة التي زيل بها كلامه فواردة عليه أيضاً مع أنها غير مسلمة لأن عذاب البرزخ لا يقتضي أن يشفع لهم بعد ذلك فكم من معذب في قبره يشفع له اهـ. وأنت تعلم أن عذابهم البرزخي إن كان بسبب اعتقادهم النفع فيهم ورجاء شفاعتهم وعلم أولئك المعذبون أن عذابهم لذلك فقوله: لأن عذاب البرزخ لا يقتضي الخ ليس في محله، وكذا قوله: فكم من معذب في قبره يشفع له إن أراد به فكم من معذب لمعصية من المعاصي في قبره يشفع له من يشفع فمسلم لكن لا يفيد. وإن أراد فكم من معذب في قبره بسبب عبادة شيء يشفع له ذلك الشيء فمنعه ظاهر كما لا يخفى فتدبر. وقرأ يعقوب { يحشرهم .. ثم يقول } بالياء فيهما والضمير فيهما لله تعالى.

وقوله سبحانه للمشركين: { أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } إما بالواسطة أو بغير واسطة. والتكليم المنفي في قوله تعالى: { { وَلاَ يُكَلّمُهُمُ } [البقرة: 174، آل عمران: 77] الخ تكليم تشريف ونفع لا مطلقا فقد كلم إبليس عليه اللعنة بما كلم. والزعم يستعمل في الحق كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "زعم جبريل عليه السلام" وفي حديث ضمام بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه «زعم رسولك» وقول سيبويه في أشياء يرتضيها: زعم الخليل، ويستعمل في الباطل والكذب كما في هذه الآية. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كل زعم في القرآن فهو بمعنى الكذب. وكثيراً ما يستعمل في الشيء الغريب الذي تبقى عهدته على قائله وهو هنا متعد لمفعولين وحذفا لانفهامهما من المقام أي تزعمونهم شركاء.