التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
١٣١
-الأعراف

روح المعاني

{ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ } الخ بيان لعدم تذكرهم وتماديهم في الغي، والمراد بالحسنة كما يفهمه ظاهر كلام البعض الخصب والرخاء، وفسرها مجاهد بالرخاء والعافية وبعضهم بأعم من ذلك أي إذا جاءهم ما يستحسنونه { قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } أي إنا مستحقوها بيمن الذات { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } أي ضيقة / وجدب أو جدب ومرض أو عقوبة وبلاء { يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } أي يتشاءموا بهم ويقولوا: ما أصابنا ذلك إلا بشؤمهم، وأصل إطلاق التطير على التشاؤم على ما قال الأزهري إن العرب كانت تزجر الطير فتتشاءم بالبارح وتتيمم بالسانح. وفي المثل من إلى بالسانح بعد البارح، قال أبو عبيدة: سأل يونس رؤبة وأنا شاهد عن السانح والبارح فقال: السانح ما ولاك ميامنه والبارح ما ولاك مياسره، وقيل: البارح ما يأتي من جهة الشمال والسانح ما يأتي من جهة اليمين وأنشدوا:

زجرت لها طير الشمال فإن يكن هواك الذي تهوى يصبك اجتنابها

ثم إنهم سموا الشؤم طيراً وطائراً والتشاؤم تطيراً، وقد يطلقون الطائر على الحظ والنصيب خيراً أو شراً حتى قيل: إن أصل التطير تفريق المال وتطييره بين القوم فيطير لكل أحد نصيبه من خير أو شر ثم غلب في الشر. وفي الآية إغراق في وصفهم بالغباوة والقساوة فإن الشدائد ترقق القلوب وتذلل العرائك وتزيل التماسك لا سيما بعد مشاهدة الآيات وقد كانوا بحيث لم يؤثر فيهم شيء منها بل ازدادوا عتواً وعناداً، وتعريف الحسنة وذكرها بأداة التحقيق كما قال غير واحد لكثرة وقوعها وتعلق الإرادة بإحداثها بالذات لأن العناية الإلهية اقتضت سبق الرحمة وعموم النعمة قبل حصول الأعمال، وتنكير السيئة وذكرها بأداة الشك لندورها وعدم تعلق الإرادة بإحداثها إلا بالتبع فإن النقمة بمقتضى تلك العناية إنما تستحق بالأعمال. والزمخشري بين الحسنة بالخصب والرخاء ثم قال في تعليل ما ذكر: ((لأن جنس الحسنة وقوعه كالواجب لكثرته واتساعه وأما السيئة فلا تقع إلا في الندرة ولا يقع إلا شيء منها)). وقال صاحب «الكشف»: ذلك إشارة إلى أن التعريف للعهد الخارجي التقريري بدليل أنه ذكر في مقابلة قوله سبحانه: { وَلَقَدْ أَخَذنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ بِٱلسِّنِينَ } [الأعراف: 130] وقوله: لأن الجنس الخ أي جنس الخصب والرخاء وفيه مبالغة أي إنه لكثرة الوقوع كأن الجنس كله واجب الوقوع، ولهذا لا يزال يتكاثر حتى يستغرق الجنس. وقوله: وأما السيئة الخ في مقابلة ذلك دليل بين على إرادة هذا المعنى فلا تخالف بين كلاميه ولم يرد بالجنس العهد الذهني وهذا مراد صاحب «المفتاح» وبه يندفع ما توهمه صاحب «الإيضاح» انتهى. وفيه تعريض بشيخه الطيبـي حيث حمل الجنس على العهد الذهني وقال ما قال والبحث طويل الذيل فليطلب من «شروح المفتاح» و«شرح التلخيص» للعلامة الثاني و«حواشيه».

وقوله سبحانه وتعالى: { أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } استئناف مسوق من قبله تعالى لرد مقالتهم الباطلة وتحقيق للحق في ذلك وتصديره بكلمة التنبيه لإبراز كمال العناية بمضمونه أي ليس (شؤمهم) إلا عند الله أي من قبله وحكمه كما قال ابن عباس، وقال الزجاج: المعنى ليس الشؤم الذي يلحقهم إلا الذي وعدوا به من العقاب عنده لا ما ينالهم في الدنيا، وقال الحسن: المعنى ألا إن ما تشاءموا محفوظ عليهم حتى يجازيهم الله تعالى به يوم القيامة، وفسر بعضهم الطائر هنا بالحظ أي إنما حظهم وما طار إليهم من القضاء والقدر بسبب شؤمهم عند الله، وقرأ الحسن { إنما طيرهم } وهو اسم جمع طائر على الصحيح لأنه على أوزان المفردات، وقال الأخفش هو جمع له، وروي عن قطرب أن الطير يكون واحداً وجمعاً وكذا الطائر، وأنشد ابن الأعرابـي:

كأنه تهتان يوم ماطر على رؤوس كرؤوس الطائر

{ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك فيقولون ما يقولون، وإسناد عدم العلم إلى أكثرهم للإشعار بأن / بعضهم يعلم ولكن لا يعمل بمقتضى علمه.