التفاسير

< >
عرض

وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
١٨١
-الأعراف

روح المعاني

{ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } قيل بيان إجمالي لحال من عدا المذكورين من الثقلين الموصوفين بما ذكر من الضلال على أتم وجه، وهو عند جمع من المحققين على ما ظهر للعلامة الطيبـي عطف على جملة { { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا } [الأعراف: 179] وقوله سبحانه وتعالى: { يَهْدُونَ } الخ إذا أخذ بجملته وزبدته كان كالمقابل لقوله تعالى: { لَهُمْ قُلُوبٌ } إلى { { هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ } [الأعراف: 179] وكلتا الآيتين كالنشر لقوله عز شأنه: { { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [الأعراف: 178] وهو كالتذييل لحديث الذي أوتي آيات الله تعالى والأسماء العظام فانسلخ منها وقوله تعالى: { { وَللَّهِ ٱلأَسْمَاءُ ٱلْحُسْنَىٰ } [الأعراف: 180] اعتراض لمناسبة حديث الأسماء حديث أسماء الله تعالى العظام التي أوتيها ذلك المنسلخ كما في بعض الروايات وقد تعلق بقوله عز شأنه: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ } [الأعراف: 179] باعتبار أنه كالتنبيه على أن الموجب لدخول جهنم هو الغفلة عن ذكر الله تعالى وعن أسمائه الحسنى، وأرباب الذوق والمشاهدة يجدون ذلك من أرواحهم لأن القلب إذا غفل عن ذكر الله تبارك وتعالى وأقبل على الدنيا وشهواتها وقع في نار الحرص ولا يزال يهوى من ظلمة إلى ظلمة حتى ينتهي إلى دركات الحرمان، وبخلاف ذلك إذا انفتح على / القلب باب الذكر فإنه يقع في جنة القناعة ولا يزال يترقى من نور إلى نور حتى ينتهي إلى أعلا درجات الإحسان، ومن إما نكرة موصوفة أو بمعنى الذي، والمراد بعض من خلقنا أو بعض ممن خلقنا طائفة جليلة كثيرة يهدون الناس ملتبسين بالحق أو يهدونهم بكلمة الحق ويدلونهم على الاستقامة وبالحق يحكمون في الحكومات الجارية فيما بينهم ولا يجورون فيها. أخرج ابن جرير وغيره عن ابن جريج أنه قال: ذكر لنا "أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: هذه أمتي" . وأخرج عن قتادة أنه قال: بلغنا أن النبـي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأ هذه الآية: "هذه لكم وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } " .

وأخرج ابن أبـي حاتم عن الربيع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أمتي قوماً على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام" . وروى الشيخان عن معاوية والمغيرة بن شعبة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله تعالى لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تعلى وهم على ذلك" .

واستدل الجبائي بالآية على صحة الإجماع في كل عصر سواء في ذلك عصر النبـي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهم وغيره إذ لو اختص لم يكن لذكره فائدة لأنه معلوم، وعلى أنه لا يخلو عصر عن مجتهد إلى قيام الساعة لأن المجتهدين هم أرباب الإجماع، قيل: وهو مخالف لما روي من أنه «لا تقوم الساعة إلا على أشرار الخلق»، و«لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله»، وأجيب بأن ذلك الزمان ملحق بيوم القيامة لمعانقته له، والمراد عدم خلو العصر عن مجتهد فيما عداه، وقيل: المراد من الخبرين الإشارة إلى غلبة الشر فلا ينافي وجود النزر من أهل ذلك العنوان، والواحد منهم كاف وهو حينئذ الأمة، والاقتصار على نعتهم بهداية الناس للإيذان بأن اهتداءهم في أنفسهم أمر محقق غني عن التصريح.