التفاسير

< >
عرض

أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ
١٩٥
-الأعراف

روح المعاني

وقوله تعالى: { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا } الخ تبكيت إثر تبكيت مؤكد لما يفيده الأمر التعجيزي من عدم الاستجابة ببيان فقدان آلاتها بالكلية، وقيل: إنه على الاحتمال الأول في المماثلة كر على المثلية بالنقض لأنهم أدون منهم، وعبادة الشخص من هو مثله لا تليق فكيف من هو دونه، وعلى الاحتمال الثاني فيها عود على الفرض المبني عليه بالمثلية بالإبطال، وعلى قراءة التخفيف وإرادة النفي تقرير لنفي المماثلة بإثبات القصور والنقصان، ووجه الإنكار إلى كل واحد من تلك الآلات الأربع على حدة تكريراً للتبكيت وتثنية للتقريع وإشعاراً بأن انتفاء كل واحد منها بحيالها كاف في الدلالة على استحالة الاستجابة وليس المراد أن من لم يكن له هذه لا يستحق الألوهية وإنما يستحقها من كانت له ليلزم إما نفي استحقاق الله تبارك وتعالى لها أو إثبات ذلك له كما ذهب إليه بعض المجسمة واستدل بالآية عليه بل مجرد إثبات العجز، ومن ذلك يعلم نفي الاستحقاق، ووصفه الأرجل بالمشي بها للإيذان بأن مدار الإنكار هو الوصف وإنما وجه إلى الأرجل لا إلى الوصف بأن يقال: أيمشون بأرجلهم لتحقيق أنها حيث لم يظهر منها ما يظهر من سائر الأرجل فهي ليست بأرجل في الحقيقة، وكذا / الكلام فيما بعد من الجوارح الثلاثة الباقية.

وكلمة { أَمْ } في قوله تعالى: { أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا } منقطعة وما فيها من الهمزة لما مر من التبكيت، وبل للإضراب المفيد للانتقال من فن منه بعد تمامه إلى [فن] آخر منه مما تقدم، والبطش الأخذ بقوة. وقرأ أبو جعفر { يَبْطُشُونَ } بضم الطاء وهو لغة فيه، والمعنى بل ألهم أيد يأخذون بها ما يريدون أو يدفعون بها عنكم، وتأخير هذا عما قبله كما قال شيخ الإسلام لما أن المشي حالهم في أنفسهم والبطش حالهم بالنسبة إلى الغير، وأما تقديم ذلك على قوله تعالى: { أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } مع أن الكل سواء في أنها من أحوالهم بالنسبة إلى الغير فلمراعاة المقابلة بين الأيدي والأرجل ولأن انتفاء المشي والبطش أظهر والتبكيت به أقوى، وأما تقديم الأعين على الآذان فلأنها أشهر منها وأظهر عيناً وأثراً، وكون الإبصار بالعين والسماع بالأذان جار على الظاهر المتعارف. واستدل بالآية من قال: إن الله تعالى أودع في بعض الأشياء قوة بها تؤثر إذا أذن الله تعالى لها خلافاً لمن قال: إن التأثير عندها لا بها. وزعم أن ذلك القول قريب إلى الكفر وليس كما زعم بل هو الحق الحقيق بالقبول.

{ قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَاءَكُمْ } أمر له صلى الله عليه وسلم بأن يناصبهم المحاجة ويكرر عليهم التبكيت بعد أن بين أن شركاءهم لا يقدرون على شيء أصلاً، أي أدعوا شركاءكم واستعينوا بهم عليَّ { ثُمَّ كِيدُونِ } جميعاً أنتم وشركاؤكم وبالغوا في ترتيب ما تقدرون عليه من مبادي المكر والكيد { فَلاَ تُنظِرُونِ } فلا تمهلوني ساعة بعد ترتيب مقدمات الكيد فإني لا أبالي بكم أصلاً، وياء المتكلم في الفعلين مما لا يثبتوها خطأ، وقرأ أبو عمرو بإثبات ياء { كِيدُونِ } وصلاً وحذفها وقفاً، وهشام بإثباتها في الحالين والباقون بحذفها فيهما. وفي هود { { فَكِيدُونِي جَمِيعًا } [هود: 55] بإثبات الياء مطلقاً عند الجميع، وأما ياء { فَلاَ تُنظِرُونِ } فقد قال الأجهوري: إنهم حذفوها لا غير.