التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
١٣
-الأنفال

روح المعاني

{ ذٰلِكَ } إشارة إلى الضرب والأمر به أو إلى جميع ما مر، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من ذكر قبل من الملائكة والمؤمنين على البدل أو لكل أحد ممن يليق بالخطاب. وجوز أن يكون خطاباً للجمع، والكاف تفرد مع تعدد من خوطب بها، وليست كالضمير على ما صرحوا به، ومحل الاسم الرفع على الابتداء وخبره قوله سبحانه وتعالى: { بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } وقال أبو البقاء: إن ذلك خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك وليس الأمر ذلك، والباء للسببية والمشاقة العداوة سميت بذلك أخذاً من شق العصا وهي المخالفة أو لأن كلاً من المتعاديين يكون في شق غير شق الآخر كما أن العداوة سميت عداوة لأن كلاً منهما في عدوة أي جانب وكما أن المخاصمة من الخصم بمعنى الجانب أيضاً، والمراد بها هنا المخالفة أي ذلك ثابت لهم أو واقع عليهم بسبب مخالفتهم لمن لا ينبغي لهم مخالفته بوجه من الوجوه { وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي يخالف أمر الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام؛ والإظهار في مقام الإضمار لتربية المهابة وإظهار كمال شناعة ما اجترأوا عليه والإشعار بعلية الحكم، و«بئس خطيب القوم أنت» اقتضاه الجمع على وجه لا يبين منه الفرق ممن هو في ربقة التكليف؛ وأين هذا من ذاك لو وقع ممن لا حجر عليه وإنما لم يدغم المثلان لأن الثاني ساكن في الأصل والحركة لالتقاء الساكنين فلا يعتد بها، وقوله تعالى: { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } إما نفس الجزاء قد حذف منه العائد عند من يلتزمه ولا يكتفي بالفاء في الربط أي شديد العقاب له، أو تعليل للجزاء المحذوف أي عاقبه الله تعالى فإن الله شديد العقاب، وأياً ما كان فالشرطية بيان للسببية السابقة بطريقة برهاني، كأنه قيل: ذلك العقاب الشديد بسبب المشاقة لله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وكل من يشاقق الله ورسوله كائناً من كان فله بسبب ذلك عقاب شديد فإذن لهم بسبب مشاقة الله ورسوله عقاب شديد، وقيل: هو وعيد بما أعد لهم في الآخرة بعد ما حاق بهم في الدنيا، قال بعض المحققين: ويرده قوله سبحانه وتعالى: { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَـٰفِرِينَ... }.