التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
٢٧
-الأنفال

روح المعاني

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } أصل الخون النقص كما أن أصل الوفاء الإتمام، واستعماله في ضد الأمانة لتضمنه إياه فإن الخائن ينقص المخون شيئاً مما خانه فيه، اعتبر الراغب في الخيانة أن تكون سراً، والمراد بها هنا عدم العمل بما أمر الله تعالى به ورسوله عليه الصلاة والسلام. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن خيانة الله سبحانه بترك فرائضه والرسول صلى الله عليه وسلم بترك سنته وارتكاب معصيته. وقيل: المراد النهي عن الخيانة بأن يضمروا خلاف ما يظهرون أو يغلوا في الغنائم. وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن أبـي حبيب رضي الله تعالى عنه أن المراد بها الإخلال بالسلاح في المغازي. وذكر الزهري والكلبـي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة ـ وفي رواية البيهقي ـ خمساً وعشرين فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح كما صالح إخوانهم بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرعات من أرض الشام فأبـى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فأبوا وقالوا: أرسل لنا أبا لبابة ورفاعة بن عبد المنذر وكان مناصحاً لهم لأن ماله وولده وعياله كان عندهم، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فقالوا: يا أبا لبابة ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ فأشار بيده إلى حلقه يعني أنه الذبح فلا تفعلوا. قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي عن مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ثم انطلق على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشد نفسه على سارية من سواري المسجد وقال: والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله تعالى علي، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره قال: "أما لو جاءني لاستغفرت له أما إذا فعل ما فعل فإني لا أطلقه حتى يتوب الله تعالى عليه فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى خر مغشياً عليه ثم تاب الله تعالى عليه" فقيل له: يا أبا لبابة قد تيب عليك. فقال: والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني فجاءه عله الصلاة والسلام فحله بيده ثم قال أبو لبابة: إن تمام توبتي أن أهجر دار قوم التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي، فقال صلى الله عليه وسلم: "يجزيك الثلث أن تصدق به" ونزلت فيه هذه الآية» وقال السدي: كانوا يسمعون الشيء من / رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفشونه حتى يبلغ المشركين فنهوا عن ذلك، وأخرج أبو الشيخ وغيره عن جابر بن عبد الله "أن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبريل عليه السلام النبـي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا فكتب رجل من المنافقين إلى أبـي سفيان إن محمداً صلى الله عليه وسلم مريدكم فخذوا حذركم فنزلت" .

{ وَتَخُونُواْ أَمَـٰنَـٰتِكُمْ } عطف على المجزوم أولاً والمراد النهي عن خيانة الله تعالى والرسول وخيانة بعضهم بعضاً، والكلام عند بعض على حذف مضاف أي أصحاب أماناتكم، ويجوز أن تجعل الأمانة نفسها مخونة، وجوز أبو البقاء أن يكون الفعل منصوباً بإضمار أن بعد الواو في جواب النهي كما في قوله:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم

والمعنى لا تجمعوا بين الخيانتين والأول أولى لأن فيه النهي عن كل واحد على حدته بخلاف هذا فإنه نهى عن الجمع بينهما ولا يلزمه النهي عن كل واحد على حدته، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير الأمانات بالأعمال التي ائتمن الله تعالى عليها عباده، وقرأ مجاهد { أمانتكم } بالتوحيد وهي رواية عن أبـي عمرو ولا منافاة بينها وبين القراءة الأخرى { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي تبعة ذلك ووباله أو أنكم تخونون أو وأنتم علماء تميزون الحسن من القبيح، فالفعل إما متعد له مفعول مقدر بقرينة المقام أو منزل منزلة اللازم، قيل: ولس المراد بذلك التقييد على كل حال.