التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٧٢
-الأنفال

روح المعاني

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ } هم المهاجرون الذين هجروا أوطانهم وتركوها لأعدائهم في الله لله عز وجل { وَجَـٰهَدُواْ بِأَمْوٰلِهِمْ } فصرفوها للكراع والسلاح وأنفقوها على المحاويج من المسلمين { وَأَنفُسِهِمْ } بمباشرةِ القتال واقتحام المعارك والخوض في لجج المهالك { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } قيل: هو متعلق بجاهدوا قيد لنوعي الجهاد، ويجوز أن يكون من باب التنازع في العمل بين { هَاجَرُواْ } و { جَاهَدُواْ } ولعل تقديم الأموال على الأنفس لما أن المجاهدة بالأموال أكثر وقوعاً وأتم دفعاً للحاجة حيث لا يتصور المجاهدة بالنفس بلا مجاهدة بالمال، وقيل: ترتيب هذه المتعاطفات في الآية على حسب الوقوع فإن الأول الإيمان ثم الهجرة ثم الجهاد بالمال لنحو التأهب للحرب ثم الجهاد بالنفس.

{ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُواْ } هم الأنصار آووا المهاجرين وأنزلوهم منازلهم وآثروهم على أنفسهم ونصروهم على أعدائهم { أُوْلَـٰئِكَ } أي المذكورون الموصوفون بالصفات الفاضلة، وهو مبتدأ وقوله تعالى: { بَعْضُهُمْ } إما بدل منهم، وقوله سبحانه: { أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } خبر وإما مبتدأ ثان و { أَوْلِيَآءُ } خبره والجملة خبر للمبتدأ الأول أي بعضهم أولياء بعض في الميراث على ما هو المروي عن ابن عباس رضي الله / تعالى عنهما والحسن ومجاهد والسدي وقتادة فإنهم قالوا: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم فكان المهاجري يرثه أخوه الأنصاري إذا لم يكن له بالمدينة ولي مهاجري ولا توارث بينه وبين قريبه المسلم غير المهاجري واستمر أمرهم على ذلك إلى فتح مكة ثم توارثوا بالنسب بعد إذ لم تكن هجرة، فالولاية على هذا الوراثة المسببة عن القرابة الحكمية. والآية منسوخة، وقال الأصم: هي محكمة، والمراد الولاية بالنصرة والمظاهرة وكأنه لم يسمع قوله تعالى: { فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ } بعد نفي موالاتهم في الآية الآتية.

{ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ } كسائر المؤمنين { مَا لَكُم مّن وَلـٰيَتِهِم مّن شَىْءٍ } أي توليهم في الميراث وإن كانوا أقرب ذوي قرابتكم { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } وحينئذٍ يثبت لهم الحكم السابق. وقرأ حمزة والأعمش ويحيـى بن وثاب { ولايتهم } بالكسر، وزعم الأصمعي أنه خطأ وهو المخطىء فقد تواترت القراءة بذلك، وجاء في اللغة الولاية مصدراً بالفتح والكسر وهما لغتان فيه بمعنى واحد وهو القرب الحسي والمعنوي كما قيل، وقيل: بينهما فرق فالفتح ولاية مولى النسب ونحوه والكسر ولاية السلطان ونسب ذلك إلى أبـي عبيدة وأبـي الحسن، وقال الزجاج: هي بالفتح النصرة والنسب وبالكسر للإمارة، ونقل عنه أنه ذهب إلى أن الولاية لاحتياجها إلى تمرن وتدرب شبهت بالصناعات ولذا جاء فيها الكسر كالإمارة، وذلك لما ذهب إليه المحققون من أهل اللغة من أن فعالة بالكسر في الأسماء لما يحيط بشيء ويجعل فيه كاللفافة والعمامة وفي المصادر يكون في الصناعات وما يزاول بالأعمال كالكتابة والخياطة والزراعة والحراثة، وما ذكره من حديث التشبيه بالصناعات يحتمل أن يكون من الواضع بمعنى أن الواضع حين وضعها شبهها بذلك فتكون حقيقة ويحتمل أن يكون من غيره على طرز تشبيه زيد بالأسد فحينئذٍ يكون هناك استعارة، وهي كما قال بعض الجلة: استعارة أصلية لوقوعها في المصدر دون المشتق وإن كان التصرف في الهيئة لا في المادة، ومنه يعلم أن الاستعارة الأصلية قسمان ما يكون التجوز في مادته وما يكون في هيئته { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ } أي فواجب عليكم أن تنصروهم على المشركين أعداء الله تعالى وأعدائكم { إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ } منهم { بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَـٰقٌ } فلا تنصروهم عليه لما في ذلك من نقض عهدهم { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فلا تخالفوا أمره ولا تتجاوزوا ما حده لكم كي لا يحل عليكم عقابه.