التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ
٥٣
-التوبة

روح المعاني

{ قُلْ أَنْفقُواْ } أموالكم في مصالح الغزاة { طَوْعاً أوْ كَرْهاً } أي طائعين أو كارهين، فهما مصدران وقعا موقع الحال وصيغة { أَنفَقُواْ } وإن كانت للأمر إلا أن المراد به الخبر، وكثيراً ما يستعمل الأمر بمعنى الخبر كعكسه، ومنه قول كثير عزة:

أسيئى بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية ان تقلت

وهو كما قال الفراء والزجاج في معنى الشرط أي إن أنفقتم على أي حال فـ { لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ }.

وأخرج الكلام مخرج الأمر للمبالغة في تساوي الأمرين في عدم القبول، كأنهم أمروا أن يجربوا فينفقوا في الحالين فينظروا هل يتقبل منهم فيشاهدوا عدم القبول، وفيه كما قال بعض المحققين: استعارة تمثيلية شبهت حالهم في النفقة وعدم قبولها بوجه من الوجوه بحال من يؤمر بفعل ليجربه فيظهر له عدم جدواه، فلا يتوهم أنه إذا أمر بالإنفاق كيف لا يقبل. والآية نزلت كما أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما "جواباً عما في قول الجد بن قيس حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لك في جلاد بني الأصفر؟ إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن لكن أعينك بمالي" ، ونفي التقبل يحتمل أن يكون بمعنى عدم الأخذ منهم، ويحتمل أن يكون بمعنى عدم الإثابة عليه، وكل من المعنيين واقع في الاستعمال، فقبول الناس له أخذه وقبول الله تعالى ثوابه عليه ويجوز الجمع بينهما، وقوله سبحانه: { إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } تعليل لرد إنفاقهم، والمراد بالفسق العتو التمرد فلا يقال: كيف علل مع الكفر بالفسق الذي هو دونه وكيف صح ذلك مع التصريح بتعليله بالكفر في قوله تعالى: { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَـٰتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ... }.