التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٧
-يونس

التحرير والتنوير

عطف على جملة { للذين أحسنوا الحسنى } [يونس: 26]. وعبر في جانب المسيئين بفعل { كسبوا السيئات } دون فعل أساءوا الذي عبر به في جانب الذين أحسنوا للإشارة إلى أن إساءتهم من فِعلهم وسعيهم فما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون.

والموصول مراد به خصوص المشركين لقوله بعده: { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }. فإن الخلود في النار لا يقع إلا للكافرين، كما دلت عليه الأدلة المتظافرة خلافاً للمعتزلة والخوارج.

وجملة: { جزاءُ سيئة بمثلها } خبر عن { الذين كسبوا السيئات }. وتنكير (سيئة) للعموم، أي جزاء كل سيئة بمثلها، وهو وإن كان في سياق الإثبات فالعموم مستفاد من المقام وهو مقام عموم المبتدأ. كقول الحريري:

يا أهلَ ذا المغنَى وُقيتم ضُرا

أي كل ضر. وذلك العموم مُغن عن الرابط بين الجملة الخبرية والمبتدأ، أو يقدر مجرور، أي جَزاء سيئةٍ منهم، كما قدر في قوله تعالى: { فمن كان منكم مريضاً أو به أذًى من رأسه ففدية من صيام } [البقرة: 196] أي فعليه.

واقتصر على الذلة لهم دون زيادة ويَرهقهم قَتر، لأنه سيجيء ما هو أشد منه وهو قوله: { كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً }.

وجملة: { ما لهم من الله من عاصم } خبر ثان، أو حال من { الذين كسبوا السيئات } أو معترضة. وهو تهديد وتأييس.

والعاصم: المانع والحافظ. ومعنى { من الله } من انتقامه وجزائه. وهذا من تعليق الفعل باسم الذات، والمرادُ بعض أحوال الذات مما يدل عليه السياق مثل { حُرمت عليكم الميتة } [المائدة: 3].

وجملة { كأنما أغشيت وجوهُهم } الخ بيان لجملة: { ترهقهم ذلة } بيانَ تمثيل، أو حالٌ من الضمير في قوله: { وترهقهم }.

و{ أغشيت } معدَّى غَشِي إذا أحاط وغَطا، فصار بالهمزة معدى إلى مفعولين من باب كسَا. وتقدم في قوله تعالى: { يُغشي الليلَ النهارَ } في [الأعراف: 54]، وقوله: { إذ يُغْشِيكُم النعاس } في [الأنفال: 11].

والقِطع بفتح الطاء في قراءة الجمهور: جمع قِطعة، وهي الجزء من الشيء، سمي قطعة لأنه يُقتطع من كل غالباً، فهي فعْلة بمعنى مفعولة نقلت إلى الاسمية. وقرأه ابن كثير والكسائي ويعقوب { قِطْعاً } بسكون الطاء. وهو اسم للجزء من زمن الليل المظلم، قال تعالى: { فاسر بأهلك بقِطْع من الليل } [هود: 81].

وقوله: { مظلماً } حال من الليل. ووصف الليل وهو زمن الظلمة بكونه مظلماً لإفادة تمكن الوصف منه كقولهم: ليل أليل، وظل ظليل، وشعر شاعر، فالمراد من الليل الشديد الإظلام باحتجاب نجومه وتمكّن ظلمته. وشُبهت قَترة وجوههم بظلام الليل.

وجملة: { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } هي كجملة { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } [يونس: 26].