التفاسير

< >
عرض

وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ
٢٠
-يوسف

التحرير والتنوير

معنى { شروه } باعوه. يقال: شرى كما يقال: باع، ويقال: اشترى كما يقال: ابتاع. ومثلهما رَهن وارتهن، وعاوض واعتاض، وكَرى واكترى.

والأصل في ذلك وأمثاله أن الفعل للحدث والافتعال لمطاوعة الحدث.

ومن فسر { شروه } باشتروه أخطأ خطأ أوقعه فيه سوء تأويل قوله: { وكانوا فيه من الزاهدين }. وما ادّعاه بعض أهل اللغة أن شرى واشترى مترادفان في معنييهما يغلب على ظني أنه وَهَم إذ لا دليل يدل عليه.

والبخس: أصله مصدر بَخَسه إذا نقصه عن قيمة شيئه. وهو هنا بمعنى المبخوس كالخلق بمعنى المخلوق. وتقدم فعل البخس عند قوله تعالى: { { ولا يَبخس منه شيئاً } في سورة البقرة (282).

و{ دراهم } بدل من { ثمن } وهي جمع درهم، وهو المسكوك. وهو معرّب عن الفارسية كما في «صحاح الجوهري».

وقد أغفله الذين جمعوا ما هو معرب في القرآن كالسيوطي في «الإتقان».

و{ معدودة } كناية عن كونها قليلة لأن الشيء القليل يسهل عدّه فإذا كثر صار تقديره بالوزن أو الكيل. ويقال في الكناية عن الكثرة: لا يعدّ.

وضمائر الجمع كلها للسيّارة على أصح التفاسير.

والزهادة: قلة الرغبة في حصول الشيء الذي من شأنه أن يرغب فيه، أو قلة الرغبة في عوضه كما هنا، أي كان السيارة غير راغبين في إغلاء ثمن يوسف ـــ عليه السّلام ـــ. ولعل سبب ذلك قلة معرفتهم بالأسعار.

وصوغ الإخبار عن زهادتهم فيه بصيغة { من الزاهدين } أشد مبالغة مما لو أخبر بكانوا فيه زاهدين، لأن جعلهم من فريق زاهدين ينبىء بأنهم جَروا في زهدهم في أمثاله على سنَن أمثالهم البسطاء الذين لا يقدرون قدر نفائس الأمور.

و{ فيه } متعلق بـــ { الزاهدين } و(أل) حرف لتعريف الجنس، وليست اسم موصول خلافاً لأكثر النحاة الذين يجعلون (أل) الداخلة على الأسماء المشتقة اسم موصول ما لم يتحقق عهد وتمسكوا بعلل واهية وخالفهم الأخفش والمازني.

وتقديم المجرور على عامله للتنويه بشأن المزهود فيه، وللتنبيه على ضعف توسمهم وبصارتهم مع الرعاية على الفاصلة.