التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ
٨٠
ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يٰأَبَانَا إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ
٨١
وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلْعِيْرَ ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
٨٢
-يوسف

التحرير والتنوير

{ استيأسوا } بمعنى يئسوا فالسين والتاء للتأكيد، ومثلها { { فاستجاب له ربه } [سورة يوسف: 34] { واستعصَم }.

واليأس منه: اليأس من إطلاقه أخاهم، فهو من تعليق الحكم بالذات. والمراد بعض أحوالها بقرينة المقام للمبالغة.

وقرأ الجمهور { استيأسوا } بتحتية بعد الفوقية وهمزة بعد التحتية على أصل التصريف. وقرأه البزي عن ابن كثير بخلف عنه بألف بعد الفوقية ثم تحتية على اعتبار القلب في المكان ثم إبدال الهمزة.

و{ خلصوا } بمعنى اعتزلوا وانفردوا. وأصله من الخلوص وهو الصفاء من الأخلاط. ومنه قول عبد الرحمان بن عوف لعمر بن الخطاب ــــ رضي الله عنهما ــــ في آخر حجة حجّها حيث عزم عمر ــــ رضي الله عنه ــــ على أن يخطب في الناس فيحذرهم من قوم يريدون المزاحمة في الخلافة بغير حق، قال عبد الرحمان بن عوف ــــ رضي الله عنه ــــ: «يا أمير المؤمنين إن المَوسم يجمع رَعاع الناس فأمهل حتى تقدم المدينة فتخلص بأهل الفقه...» إلخ.

والنجيّ: اسم من المناجاة، وانتصابه على الحال. ولما كان الوصف بالمصدر يلازم الإفراد والتذكير كقوله تعالى: { وإذْ هم نجوى }. والمعنى: انفردوا تناجيا. والتناجي: المحادثة سراً، أي متناجين.

وجملة { قال كبيرهم } بدل من جملة { خلصوا نجيا } وهو بدل اشتمال، لأن المناجاة تشتمل على أقوال كثيرة منها قَول كبيرهم هذا، وكبيرهم هو أكبرهم سناً وهو رُوبين بِكرُ يعقوب ــــ عليه السلام ــــ.

والاستفهام في { ألم تعلموا } تقريري مستعمل في التذكير بعدم اطمئنان أبيهم بحفظهم لابنه.

وجملة { ومن قبل ما فرطتم } جملة معترضة. و{ ما } مصدرية، أي تفريطكم في يوسف ــــ عليه السلام ــــ كان من قبل المَوثق، أي فهو غير مصدقكم فيما تخبرون به من أخذ بنيامين في سرقة الصُّوَاع. وفرع عليه كبيرهم أنه يبقى في مصر ليكون بقاؤه علامة عند يعقوب ــــ عليه السلام ــــ يعرف بها صدقهم في سبب تخلف بنيامين، إذ لا يرضى لنفسه أن يبقى غريباً لولا خوفه من أبيه، ولا يرضى بقية أشقائه أن يكيدوا له كما يكيدون لغير الشقيق.

وقوله: { أو يحكم الله لي } ترديد بين ما رسمه هو لنفسه وبين ما عسى أن يكون الله قد قدره له مما لا قبل له بدفعه، فحذف متعلّق { يحكم } المجرور بالباء لتنزيل فعل { يحكم } منزلة ما لا يطلب متعلقاً.

واللام للأجل، أي يحكم الله بما فيه نفعي. والمراد بالحكم التقدير.

وجملة { وهو خير الحاكمين } تذييل. و{ خير الحاكمين } إن كان على التعميم فهو الذي حكمه لا جور فيه أو الذي حكمه لا يستطيع أحد نقضه، وإن كان على إرادة وهو خير الحاكمين لي فالخبر مستعمل في الثناء للتعريض بالسؤال أن يقدر له ما فيه رأفة في رد غربته.

وعدم التعرّض لقول صدَر من بنيامين يدافع به عن نفسه يدل على أنه لازم السكوت لأنه كان مطلعاً على مراد يوسف ــــ عليه السلام ــــ من استبقائه عنده، كما تقدم في قوله: { { آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك } [يوسف: 69].

ثم لقنّهم كبيرهم ما يقولون لأبيهم. ومعنى { وما كنا للغيب حافظين } احتراس من تحقق كونه سرق، وهو إما لقصد التلطف مع أبيهم في نسبة ابنه إلى السرقة وإما لأنهم علموا من أمانة أخيهم ما خالجهم به الشك في وقوع السرقة منه.

والغيب: الأحوال الغائبة عن المرء. والحفظ: بمعنى العلم.

وسؤال القرية مجاز عن سؤال أهلها. والمراد بها مدينة مصر. والمدينة والقرية مترادفتان. وقد خصت المدينة في العرف بالقرية الكبيرة.

والمراد بالعير التي كانوا فيها رفاقهم في عيرهم القادمين إلى مصر من أرض كنعان، فأما سؤال العير فسهل وأما سؤال القرية فيكون بالإرسال أو المراسلة أو الذهاب بنفسه إن أراد الاستثبات.