التفاسير

< >
عرض

وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
١٧٦
-آل عمران

التحرير والتنوير

نهي للرسول عن أن يحزن من فعل قوم يحرصون على الكفر أي على أعماله ومعنى { يسارعون في الكفر } يتوغّلون فيه ويَعجَلون إلى إظهاره وتأييده والعمل به عند سنوح الفرص، ويحرصون على إلقائه في نفوس الناس، فعبّر عن هذا المعنى بقوله: { يسارعون }، فقيل: ذلك من التضمين ضمّن يسارعون معنى يقعون، فعدّي بفي، وهي طريقة «الكشاف» وشروحه، وعندي أنّ هذا استعارة تمثيلية: شبّه حال حرصهم وجدّهم في تفكير الناس وإدخال الشكّ على المؤمنين وتربّصهم الدوائر وانتهازهم الفرص بحال الطالب المسارع الى تحصيل شيء يخشى أن يَفوته وهو متوغّل فيه متلبس به، فلذلك عدّي بفي الدالة على سرعتهم سرعة طالب التمكين، لا طالب الحصول، إذ هو حاصل عندهم ولو عدّي بإلى لفهم منه أنّهم لم يكفروا عند المسارعة.l قيل: هؤلاء هم المنافقون، وقيل: قوم أسلموا ثم خافوا من المشركين فارتدّوا.

وجملة { إنهم لن يضروا الله شيئاً } تعليل للنهي عن أن يحزنه تسارعهم الى الكفر بعلّة يوقن بها الرسول ــــــ عليه الصلاة والسلام ــــــ. وموقع إنّ في مثل هذا المقام إفادة التعليل، وإنّ تُغني غناء فاء التسبّب، كما تقدّم غير مرّة.

ونفي { لن يضروا الله } مراد به نفي أن يعطّلوا ما أراده إذ قد كان الله وعد الرسول إظهار دينه على الدّين كلّه، وكان سعي المنافقين في تعطيل ذلك، نهي الله رسوله أن يحزن لما يبدو له من اشتداد المنافقين في معاكسة الدعوة، وبيّن له أنّهم لن يستطيعوا إبطال مراد الله، تذكيراً له بأنه وعده بأنّه متمّ نوره.

ووجه الحاجة الى هذا النهي: هو أنّ نفس الرسول، وإن بلغت مرتقى الكمال، لا تعدو أن تعتريها في بعض أوقات الشدّة أحوال النفوس البشرية: من تأثير مظاهر الأسباب، وتوقّع حصول المسبّبات العادية عندها، كما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر. وهو في العريش، وإذا انتفى إضرارهم الله انتفى إضرارهم المؤمنين فيما وعدهم الله. وقرأ الجمهور: يَحْزُنك ــــــ بفتح الياء وضمّ الزاي ــــــ من حَزَنَه إذا أدخل عليه الحزن، وقرأه نَافع ــــــ بضم الياء وكسر الزاي ــــــ من أحزنه.

وجملة { يريد الله } استئناف لبيان جزائهم على كفرهم في الآخرة، بعد أن بيّن السلامة من كيدهم في الدنيا والمعنى: أنّ الله خذلهم وسلبهم التوفيق فكانوا مسارعين في الكفر لأنّه أراد أن لا يكون لهم حظّ في الآخرة. والحظّ: النصيب من شيء نافع.