التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ
٩٠
-آل عمران

التحرير والتنوير

قال قتادة، وعطاء، والحسن: نزلت هذه الآية في اليهود، وعليه فالموصول بمعنى لام العهد، فاليهود بعد أن آمنوا بموسى كفروا بعيسى وازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم.

وقيل أريد به اليهود والنصارى: فاليهود كما علمتَ، والنصارى آمنوا بعيسى ثم كفروا فعبدوه وألهوه ثم ازدادوا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم.

وتأويل { لن تقبل توبتهم } إما أنه كناية عن أنهم لا يتوبون فتقبَل توبتهم كقوله تعالى: { ولا يقبل منها شفاعة } [البقرة: 48] أي لا شفاعة لها فتقبل وهذا كقول امرىء القيس

على لاَ حب لا يُهتدَى بمناره

أي لا منار له، إذ قد علم من الأدلة أنّ التوبة مقبولة ودليله الحصر المقصود به المبالغة في قوله: { وأولئك هم الضالون }. وإمَّا أنّ الله نهى نبيه عن الاغترَار بما يظهرونه من الإسلام نفاقاً، فالمراد بعدم القبول عدم تصديقهم في إيمانهم، وإما الإخبار بأنّ الكفر قد رسخ في قلوبهم فصار لهم سجية لا يحولون عنها، فإذا أظهروا التوبة فهم كاذبون، فيكون عدم القبول بمعنى عدم الاطمئنان لهم، وأسرارُهم موكولة إلى الله تعالى. وقد أسلم بعض اليهود قبل نزول الآية: مثل عبد الله بن سلام، فلا إشكال فيه، وأسلم بعضهم بعد نزول الآية.

وقيل المراد الذين ارتدّوا من المسلمين وماتوا على الكفر، فالمراد بالازدياد الاستمرار وعدم الإقلاع. والقول في معنى لن تقبل توبتهم كما تقدم. وعليه يكون قوله: { إن الذين كفروا وماتوا } توكيداً لفظياً بالمرادف، ولِيُبْنى عليه التفريع بقوله: { فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً } وأياماً كان فتأويل الآية مُتعين: لأنّ ظاهرها تعارضه الأدلة القاطعة على أنّ إسلام الكافر مقبول، ولو تكرّر منه الكفر، وأنّ توبة العُصاة مقبولة، ولو وقع نقضها على أصح الأقوال وسيجيء مثل هذه الآية في سورة النساء (137) وهو قوله: { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن اللَّه ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً } }.