التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ
١٨
أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٩
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
٢٠
-السجدة

التحرير والتنوير

فُرع بالفاء على ما تقدم من الآيات من الوعد للمؤمنين والوعيد للكافرين استفهام بالهمزة مستعمل في إنكار المساواة بين المؤمن والكافر، وهو إنكار بتنزيل السامع منزلة المتعجب من البَون بين جزاء الفريقين في ذلك اليوم فكانَ الإنكار موجهاً إلى ذلك التعجب في معنى الاستئناف البياني. والكاف للتشبيه في الجزاء.

وجملة { لا يستوون } عطف بيان للمقصود من الاستفهام.

والفاسق هنا هو: مَن ليس بمؤمن بقرينة قوله بعده { وقيل لهم ذُوقُوا عذابَ النار الذي كنتم به تكذبون }. فالمراد: الفسق عن الإيمان الذي هو الشرك وهو إطلاق كثير في القرآن. ثم أكد كِلا الجزاءين بذكر مرادف لمدلوله مع زيادة فائدة، فجملةُ { فلهم جنات المأوى } إلى آخرها مؤكدة لمضمون جملة { { فلا تعلم نفس ما أخْفِي لهم } [السجدة: 17] إلى آخرها.

وجملة { فمأواهم النار } إلى آخرها مؤكدة لمضمون جملة { { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا } [السجدة: 14] إلى { بما كنتم تعملون } [السجدة: 14].

و{ مَن } الموصولة في الموضعين عامة بقرينة التفصيل بالجمع في قوله { أمَّا الذينَ آمنوا } الخ. و{ أما الذين فسقوا }. فليست الآية نازلة في معيَّن كما قيل.

و{ المأوى }: المكان الذي يُؤْوَى إليه، أي يُرجع إليه.

والتعريف باللام فيه للعهد، أي مأوى المؤمنين، قال تعالى: { عندها جنة المأوى } [النجم: 15]. ولك أن تجعل اللام عوضاً عن المضاف إليه، أي مأواهم بقرينة قوله في مقابله { فمأواهم النار }. وإضافة { جنات } إلى { المأوى } من إضافة الموصوف إلى الصفة لقصد التخفيف وهي واقعة في الكلام وإن اختلف البصريون والكوفيون في تأويلها خلافاً لا طائل تحته، وذلك مثل قولهم: مسجد الجامع، وقوله تعالى: { { وما كنت بجانب الغربي } [القصص: 44]، وقولهم: عِشاء الآخرةِ. والمعنى: فلهم الجنات المأوى لهم، أي الموعودون بها.

وانتصب { نزلاً } على الحال من { جنات المأوى }. والنُزُل بضمتين مشتق من النزول فيطلق على ما يُعد للنزيل من العطاء والقِرى قال في «الكشاف»: «النزل: عطاء النازل، ثم صار عاماً»، أي: يطلق على العطاء ولو بدون ضيافة مجازاً مرسلاً. قلت: ويطلق على محل نزول الضيف ولأجل هذه الإطلاقات يختلف المفسرون في المراد منه في بعض الآيات رعياً لما يناسب سياق الكلام. وفسره الزجاج في هذه الآية ونحوها بالمنزل، وفسره في قوله تعالى: { { أذلك خيرٌ نُزُلاً أم شجرة الزقوم } [الصافات: 62] فقال: «يقول أذلك خير في باب الأنزال التي تمكن معها الإقامة أم نُزل أهل النار» وقد تقدم في آخر سورة آل عمران (163)، والباء في { بما كانوا يعملون } للسببية.

وقوله: { { كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها } تقدم نظيره في سورة الحج (22).

ويتجه في هذه الآية أن يقال: لماذا أُظهر اسم النار في قوله { ذُوقُوا عذاب النار } مع أن اسم النار تقدم في قوله { فمأواهم النار } فكان مقتضى الظاهر الإضمار بأن يقال: وقيل لهم ذوقوا عذابها. وهذا السؤال أورده ابن الحاجب في «أماليه» وأجاب بوجهين: أحدهما أن سياق الآية التهديد وفي إظهار لفظ النار من التخويف ما ليس في الإضمار، الثاني: أن الجملة حكاية لما يقال لهم يومئذ فناسب أن يحكى كما قيل لهم وليس فيما يقال لهم تقدُّم ذكر النار.