التفاسير

< >
عرض

وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ
١٢٦
-الأنعام

التحرير والتنوير

عطف على جملة: { { ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً } [الأنعام: 125] إلى آخِرها، لأنّ هذا تمثيل لحال هدي القرآن بالصّراط المستقيم الّذي لا يجهد متّبعه، فهذا ضدّ لحال التّمثيل في قوله: { { كأنَّما يصّعَّد في السَّماء } [الأنعام: 125]. وتمثيل الإسلام بالصّراط المستقيم يتضمّن تمثيل المسلم بالسّالك صراطاً مستقيماً، فيفيد توضيحاً لقوله: { { يشرح صدره للإسلام } [الأنعام: 125]. وعطفت هذه الجملة مع أنها بمنزلة بيان الجملة التي قبلها لتكون بالعطف مقصودة بالإخبار. وهو اقبال على النبي صلى الله عليه وسلم بالخطاب.

والإشارة بــــ { هَذا } إلى حاضر في الذهن وهو دين الإسلام. والمناسبة قوله: { { يشرح صدره للإسلام } [الأنعام: 125]. والصّراط حقيقته الطّريق، وهو هنا مستعار للعمل الموصل إلى رضى الله تعالى. وإضافته إلى الربّ لتعظيم شأن المضاف، فيعلم أنَّه خير صراط. وإضافة الربّ إلى ضمير الرّسول تشريف للمضاف إليه، وترضية للرّسول صلى الله عليه وسلم بما في هذا السَّنن من بقاء بعض النّاس غير متّبعين دينه.

والمستقيم حقيقته السّالم من العوج، وهو مستعار للصّواب لسلامته من الخطأ، أي سَنَن الله الموافق للحكمة والّذي لا يتخلّف ولا يعطّله شيء. ويجوز أن تكون الإشارة إلى حاضر في الحسّ وهو القرآن، لأنَّه مسموع كقوله: { { وهذا كتاب أنزلناه مبارك } [الأنعام: 92]، فيكون الصّراط المستقيم مستعاراً لما يُبلِّغ إلى المقصود النّافع، كقوله: { { وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوا ولا تتَّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله } [الأنعام: 153]. ومستقيماً حال من «صراط» مؤكّدة لمعنى إضافته إلى الله.

وجملة: { قد فَصّلْنا الآيات } استئناف وفذلكة لما تقدم. والمراد بالآيات آيات القرآن. ومن رشاقة لفظ { الآيات } هنا أن فيه تورية بآيات الطريق التي يهتدي بها السائر.

واللاّم في: { لقوم يذكرون } للعلّة، أي فصّلنا الآيات لأجلهم لأنَّهم الّذين ينتفعون بتفصيلها. والمراد بالقوم المسلمون، لأنَّهم الّذين أفادتهم الآيات وتذكّروا بها.