التفاسير

< >
عرض

لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ
٤٤
-التوبة

التحرير والتنوير

هذه الجملة واقعة موقع البيان لجملة { { حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين } [التوبة: 43]. وموقع التعليل لجملة { لم أذنت لهم } [التوبة: 43] أو هي استئناف بياني لما تثيره جملة { { حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين } [التوبة: 43] والاعتبارات متقاربة ومآلها واحد.

والمعنى: إنّ شأن المؤمنين الذين استنفروا أن لا يستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في التخلّف عن الجهاد، فأمّا أهل الأعذار: كالعُمي، فهم لا يستنفرهم النبي صلى الله عليه وسلم وأمّا الذين تخلّفوا من المؤمنين فقد تخلّفوا ولم يستأذنوا في التخلّف، لأنّهم كانوا على نية اللحاق بالجيش بعد خروجه.

والاستئذان: طلب الإذن، أي في إباحة عمل وترك ضدّه، لأنّ شأن الإباحة أن تقتضي التخيير بين أحد أمرين متضادّين.

والاستئذان يُعدّى بــــ (في). فقوله: { أن يجاهدوا } في محلّ جرّ بــــ (في) المحذوفة، وحذف الجارّ مع { أنْ } مطّرد شائع.

ولمّا كان الاستئذان يستلزم شيئين متضادّين، كما قلنا، جازَ أن يقال: استأذنتُ في كذا واستأذنت في ترك كذا. وإنّما يُذكر غالباً مع فعل الاستئذان الأمر الذي يَرغَب المستأذنُ الإذنَ فيه دون ضدّه وإن كان ذكر كليهما صحيحاً.

ولمّا كانَ شأن المؤمنين الرغبة في الجهاد كان المذكور مع استئذان المؤمنين، في الآية أن يجاهدوا دون أن لا يجاهدوا، إذ لا يليق بالمؤمنين الاستئذان في ترك الجهاد، فإذا انتفى أن يستأذنوا في أن يجاهدوا ثبت أنّهم يجاهدون دون استئذان، وهذا من لطائف بلاغة هذه الآية التي لم يعرّج عليها المفسّرون وتكلّفوا في إقامة نظم الآية.

وجملة { والله عليم بالمتقين } معترضة لفائدة التنبيه على أنّ الله مطّلع على أسرار المؤمنين إذ هم المراد بالمتّقين كما تقدّم في قوله في سورة البقرة (2، 3) { { هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب } }.