التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٣٧
-يونس

أضواء البيان في تفسير القرآن

صرح تعالى في هذه الآية الكريمة، أن هذا القرآن لا يكون مفترى من دون الله مكذوباً به عليه، وأنه لا شك في أنه من رب العالمين جل وعلا، وأشار إلى أن تصديقه للكتب السماوية المنزلة قبله وتفصيله للعقائد والحلال والحرام ونحو ذلك. مما لا شك أنه من الله جل وعلا. دليل على أنه غير مفترى. وأنه لا ريب في كونه من رب العالمين، وبين هذا في مواضع أخر كقوله: { { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون } [يوسف: 111]. وقوله: { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } [الشعراء: 210-211] وقوله: { { وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ } [الإسراء: 105] والآيات في مثل ذلك كثيرة.
ثم إنه تعالى لما صرح هنا بأن هذا القرآن ما كان أن يفترى على الله، أقام البرهان القاطع على أنه من الله، فتحدى جميع الخلق بسورة واحدة مثله، ولا شك أنه لو كان من جنس كلام الخلق لقدر الخلق على الإتيان بمثله، فلما عجزوا عن ذلك كلهم حصل اليقين، والعلم الضروري أنه من الله جل وعلا، قال جل وعلا في هذه السورة:
{ { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [يونس: 38] وتحداهم أيضاً في سورة "البقرة" بسورة واحدة من مثله، بقوله: { { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِه } [البقرة: 23] الآية: وتحداهم في "هود" بعشر سور مثله بقوله: { { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَات } [هود: 13] الآية: وتحداهم في "الطور" به كله بقوله: { { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } [الطور: 34].
وصرح في سورة "بني إسرائيل" بعجز جميع الخلائق عن الإتيان بمثله بقوله:
{ { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } [الإسراء: 88] كما قدمنا، وبين أنهم لا يأتون بمثله أيضاً بقوله: { { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُوا } [البقرة: 24] الآية.