التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ
٢
-الرعد

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ }.
ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن السماء مرفوعة على عمد، ولكننا لا نراها، ونظير هذه الآية قوله أيضاً في أول سورة "لقمان":
{ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [لقمان: 10].
واختلف العلماء في قوله: { تَرَوْنَهَا } على قولين: أحدهما أن لها عمداً ولكننا لا نراها، كما يشير إليه ظاهر الآية، وممن روى عنه هذا القول ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وقتادة، وغير واحد، كما قاله ابن كثير.
وروي عن قتادة أيضاً - أن المعنى أنها مرفوعة بلا عمد اصلاً، وهو قول إياس بن معاوية، وهذا القول يدل عليه تصريحه تعالى في سورة "الحج" أنه هو الذي يمسكها أن تقع على الأرض في قوله:
{ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [الحج: 65].
قال ابن كثير: فعلى هذا يكون قوله: { تَرَوْنَهَا } تأكيداً لنفي ذلك، أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها كذلك، وهذا هو الأكمل في القدرة اهـ.
قال مقيده - عفا الله عنه: الظاهر أن هذا القول من قبيل السالبة لا تقتضي وجود الموضوع، والمراد أن المقصود نفى اتصاف المحكوم عليه بالمحكوم به، وذلك صادق بصورتين:
الأولى: أن يكون المحكوم عليه موجوداً، ولكن المحكوم به منتف عنه، كقولك ليس الإنسان بحجر، فالإنسان موجود والحجرية منتفية عنه.
الثانية: أن يكون المحكوم عليه غير موجود فيعلم منه انتفاء الحكم عليه بذلك الأمر الموجودي، وهذا النوع من أساليب اللغة العربية، كما أوضحناه في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)، ومثاله في اللغة قول امرىء القيس:

على لا حب لا يهتدى بمناره إذا سافه العود النباطي جرجرا

أي لا منار له أصلاً حتى يهتدي له، وقوله:

لا تفزع الأرنب أهوالها ولا ترى الضب بها ينجحر

يعني لا أرانب فيها ولا ضباب.
وعلى هذا فقوله { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } أي لا عمد لها حتى تروها، والعمد: جمع عمود على غير قياس، ومنه قول نابغة ذبيان:

وخسيس الجن إني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد

والصفاح - بالضم والتشديد -: الحجر العريض.