التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٥٧
-البقرة

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ }.
صرح في هذه الآية الكريمة بأن الله ولي المؤمنين، وصرح في آية أخرى بانه وليهم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليهم وأن بعضهم أولياء بعض وذلك في قوله تعالى:
{ { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [المائدة: 55] الآية وقال: { { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [التوبة: 71] وصرح في موضع آخر بخصوص هذه الولاية للمسلمين دون الكافرين وهو قوله تعالى: { { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } [محمد: 11]، وصرح في موضع آخر بأن نبيه صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو قوله تعالى: { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [الأحزاب: 6] وبين في آية البقرة هذه، ثمرة ولايته تعالى للمؤمنين، وهي إخراجه لهم من الظلمات إلى النور بقوله تعالى: { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [البقرة: 257] وبين في موضع آخر أن من ثمرة ولايته إذهاب الخوف والحزن عن أوليائه، وبين أن ولايتهم له تعالى بإيمانهم وتقواهم وذلك في قوله تعالى: { { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } [يونس: 62-63]، وصرح في موضع آخر أنه تعالى ولى نبيه صلى الله عليه وسلم وأنه أيضاً يتولى الصالحين وهو قوله تعالى: { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } [الأعراف: 196].
قوله تعالى: { يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ }.
المراد بالظلمات الضلالة، وبالنور الهدى، وهذه الآية يفهم منها أن طرق الضلال متعددة. لجمعه الظلمات وأن طريق الحق واحدة. لإفراده النور، وهذا المعنى المشار إليه هنا بينه تعالى في مواضع أخر كقوله:
{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام: 153] قال ابن كثير في تفسير هذه الآية ما نصه: ولهذا وحد تعالى لفظ النور وجمع الظلمات. لأن الحق واحد والكفر أجناس كثيرة وكلها باطلة كما قال: { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [الأنعام: 153] وقال تعالى: { { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ } [الأنعام: 1] وقال تعالى: { { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ } [ق: 17] إلى غير ذلك من الآيات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق وانتشار الباطل وتعدده وتشعبه منه بلفظه. قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ } [البقرة: 257] الآية. قال بعض العلماء: الطاغوت الشيطان ويدل لهذا قوله تعالى: { { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } [آل عمران: 175] أي يخوفكم من أوليائه وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوۤاْ أَوْلِيَاءَ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } [النساء: 76] وقوله: { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } [الكهف: 50] الآية وقوله: { إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ } [الأعراف: 30] الآية. والتحقيق أن كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت والحظ الأكبر من ذلك للشيطان كما قال تعالى: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } [يس: 60] الآية وقال: { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً } [النساء: 117] وقال عن خليله إبراهيم: { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } [مريم: 44] الآية وقال: { { وَإِنَّ ٱلشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [الأنعام: 121] إلى غير ذلك من الآيات.