التفاسير

< >
عرض

ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي
٤٢
ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ
٤٣
-طه

أضواء البيان في تفسير القرآن

قال بعض أهل العلم: المراد بالآيات في قوله هنا: { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي } الآيات التسع المذكورة في قوله تعالى: { { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } [الإسراء: 101] الآية، وقوله: { { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ } [النمل: 12] الآية. والآيات التسع المذكورة هي: العصا واليد البيضاء... إلى آخرها. وقد قدمنا الكلام عليها مستوفى في سورة "بني إسرائيل".
وقوله تعالى: { إِنَّهُ طَغَىٰ }
أصل الطغيان: مجاوزة الحد، ومنه:
{ { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } [الحاقة: 11] وقد بين الله تعالى شدة طغيان فرعون ومجاوزته الحد في قوله عند: { { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [النازعات: 24]، وقوله عنه { { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [القصص: 38]، وقوله عنه أيضاً: { لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } [الشعراء: 29].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة، { وَلاَ تَنِيَا } مضارع ونى يني، على أحد قول ابن مالك في الخلاصة:

فا أمراً ومضارع من كوعد احذف وفي كعدة ذاك اطرد

والونى في اللغة: الضعف، والفتور، والكلال والإعياء، ومنه قول امرئ القيس في معلقته:

مسح إذا ما السابحات على الونى أثرن غباراً بالكديد المركل

وقول العجاج:

فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غبر

فقوله: { وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } أي لا تضعفا ولا تفترا في ذكري. وقد أثنى الله على من يذكره في جميع حالاته في قوله: { { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } [آل عمران: 191]، وأمر بذكر الله عند لقاء العدو في قوله: { { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } [الأنفال: 45] كما تقدم إيضاحه.
وقال ابن كثيررحمه الله في تفسيره هذه الآية الكريمة: والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله في حال مواجهة فرعون. ليكون ذكر الله عوناً لهما عليه، وقوة لهما وسلطاناً كاسراً له، كما جاء في الحديث:
"إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مُناجز قِرْنه" ا هـ منه.
وقال بعض أهل العلم: { وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } لا تزالا في ذكري. واستشهد لذلك بقول طرفة:

كأن القدور الراسيات أمامهم قباب بنوها لا تني أبداً تغلي

أي لا تزال تغلي. ومعناه راجع إلى ما ذكرنا. والعلم عند الله تعالى.