التفاسير

< >
عرض

أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ
١٥٧
-الأنعام

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ } الآية.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن من حكم إنزال القرآن العظيم قطع عذر كفار مكة. لئلا يقولوا: لو أنزل علينا كتاب لعملنا به، ولكنا أهدى من اليهود والنصارى، الذين لم يعملوا بكتبهم، وصرح في موضع آخر أنهم أقسموا على ذلك، وأنه لما أنزل عليهم ما زادهم نزوله إلا نفوراً وبعداً عن الحق، لاستكبارهم ومكرهم السيئ، وهو قوله تعالى:
{ { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [فاطر: 42-43].
قوله تعالى: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا } الآية.
قال بعض العلماء: إن هذا الفعل أعني صدف في هذه الآية لازم، ومعناه أعرض عنها، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد، وقتادة.
وقال السدي: صدف في هذه الآية متعدية للمفعول، والمفعول محذوف، والمعنى أنه صد غيره عن اتباع آيات الله، والقرآن يدل لقول السدي، لأن إعراض هذا الذي لا أحد أظلم منه عن آيات الله صرح به في قوله: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } إذ لا إعراض أعظم من التكذيب، فدل ذلك على أن المراد بقوله: { وَصَدَفَ عَنْهَا } أنه صد غيره عنها فصار جامعاً بين الضلال والإضلال.
وعلى القول الأول فمعنى صدف مستغنى عنه بقوله "كَذَّبَ"، ونظير الآية على القول الذي يشهد له القرآن، وهو قول السدي.
قوله تعالى:
{ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } [الأنعام: 26].
وقوله:
{ { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } [النحل: 88] الآية.
وقد يوجه قول ابن عباس وقتادة ومجاهد بأن المراد بتكذيبه، وإعراضه أنه لم يؤمن بها قلبه، ولم تعمل بها جوارحه، ونظيره قوله تعالى:
{ { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } [القيامة: 31-32] ونحوها من الآيات الدالة على اشتمال الكافر على التكذيب بقلبه، وترك العمل بجوارحه، قال ابن كثير في تفسيره، بعد أن أشار إلى هذا: ولكن كلام السدي أقوى وأظهر والله أعلم اهـ.
وإطلاق صدف بمعنى أعرض كثير في كلام العرب، ومنه قول أبي سفيان بن الحارث:

عجبت لحكم الله فينا وقد بدا له صدفنا عن كل حق منزل

وروي أن ابن عباس أنشد بيت أبي سفيان هذا لهذا المعنى، ومنه أيضاً قول ابن الرقاع:

إذا ذكرت حديثاً قلن أحسنه وهن عن كل سوء يتقي صدف

أي معرضات.