التفاسير

< >
عرض

يِٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٢٩
-الأنفال

أضواء البيان في تفسير القرآن

قال ابن عباس، والسدَّي، ومجاهد وعكرمة، والضحاك وقتادة، ومقاتل بن حيان، وغير واحد: فرقاناً مخرجاً، زاد مجاهد في الدنيا والآخرة، وفي رواية عن ابن عباس فرقاناً: نجاة، وفي رواية عنه: نصراً. وقال محمد بن إسحاق: فرقاناً. أي فصلا بين الحق والباطل، قاله ابن كثير.
قال مقيده: - عفا الله عنه - قول الجماعة المذكورة: إن المراد بالفرقان المخرج يشهد له قوله تعالى:
{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } [الطلاق: 2] الآية والقول بأنه النجاة أو النصر، راجع في المعنى إلى هذا، لأن من جعل الله له مخرجاً أنجاه ونصره، لكن الذي يدل القرآن واللغة على صحته في تفسير الآية المذكورة هو قول ابن إسحاق، لأن الفرقان مصدر زيدت فيه الألف والنون، وأريد به الوصف أي الفارق بين الحق والباطل، وذلك هو معناه في قوله: { { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ } [الفرقان: 1]، أي الكتاب الفارق بين الحق والباطل، وقوله: { { وَأَنْزَلَ ٱلْفُرْقَانَ } [آل عمران: 4]، وقوله: { { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ } [البقرة: 53]، وقوله: { { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَان } [الأنبياء: 48]، ويدل على أن المراد بالفرقان هنا: العلم الفارق بين الحق والباطل. قوله تعالى في الحديد: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } [الحديد: 28] الآية.
لأن قوله هنا: { وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } يعني: علماً وهدى تفرقون به بين الحق والباطل، ويدل على أن المراد بالنور هنا الهدى، ومعرفة الحق قوله تعالى فيمن كان كافراً فهداه الله:
{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [الأنعام: 122] الآية. فجعل النور المذكور في الحديد: هو معنى الفرقان المذكور في الأنفال كما ترى. وتكفير السيئات والغفران المرتب على تقوى الله في آية الأنفال، كذلك جاء مرتباً أيضاً عليها في آية الحديد، وهو بيان واضح كما ترى.