التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٩٦
إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ
٩٧
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ
٩٨
وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ
٩٩
-هود

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

وموسى - عليه السلام - هو ابن عمران، من نسل "لاوى" بن يعقوب.
ويرى بعض المؤرخين أن ولادة موسى كانت فى حوالى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وأن بعثته كانت فى عهد منفتاح بن رمسيس الثانى.
والمراد بالآيات: الآيات التسع المشار إليها فى قوله - تعالى -
{ { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ... } }. وهى: العصا، واليد البيضاء، والسنون العجاف، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم.
والسلطان المبين: الحجة الواضحة، والبرهان الظاهر على صدقه، وسمى ذلك سلطانا لأن صاحب الحجة والبرهان على ما يدعى، يقهر ويغلب من لا حجة ولا برهان معه، كما يقهر السلطان غيره.
والمعنى: ولقد أرسلنا نبينا موسى - عليه السلام - بمعجزاتنا الدالة على صدقه، وبحجته القوية الواضحة، الشاهدة على أنه رسول من عندنا، إلى فرعون وملئه الذين هم خاصته، وسادات قومه وكبراؤهم...
وخصهم بالذكر مع فرعون، لأنهم هم الذين كانوا ينفذون أوامره، ويعاونونه على فساده والضمير فى قوله { فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ } يعود إلى الملأ.
أى: فاتبعوا أمره فى كل ما قرره من كفر، وفى كل ما أشار به من فساد.
وفى هذه الجملة الكريمة - كما يقول الزمخشرى - تجهيل لهم، حيث شايعوه على أمره، وهو ضلال مبين لا يخفى على من فيه أدنى مسكة من العقل، وذلك أنه ادعى الألوهية وهو بشر مثلهم، وجاهر بالعسف والظلم والشر الذى لا يأتى إلا من شيطان مارد، فاتبعوه وسلموا له دعواه، وتتابعوا على طاعته.
وقال - سبحانه - { فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ } ولم يقل فاتبعوا أمره، للتشهير به، والإِعلان عن ذمه الذى صرح به فى قوله - سبحانه - { وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ }.
والرشيد بزنة - فعيل - رشد من باب نصر وفتح: هو الشخص المتصف بإصابة الرأى، وجودة التفكير، وأضيف الرشد إلى الأمر على سبيل المجاز، مبالغة فى اشتمال أمر فرعون على ما يناقض الرشد والسداد، ويطابق الغى والفساد.
أى: ما شأن فرعون وأمره بذى رشد وهدى، بل هو محض الغى والضلال، فكان من الواجب على ملئه أن ينبذوه ويهملوه، بدل أن يطيعوه ويتبعوه...
ثم بين - سبحانه - سوء مصيره ومصير أتباعه فقال: { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ }
ويقدم - كينصر - بمعنى يتقدم مأخوذ من الفعل قدم - بفتح الدال - تقول: قدم الرجل يقدم قدماً وقدوما بمعنى: تقدم، ومنه قادمة الرحل بمعنى مقدمته.
وقوله { فَأَوْرَدَهُمُ } من الإِيراد وهو جعل الشئ واردا إلى المكان - وداخلا فيه.
والورد - بكسر الواو - يطلق على الماء الذى يرد إليه الإِنسان والحيوان للشرب.
والمعنى: يتقدم فرعون قومه يوم القيامة إلى جهنم، كما كان يتقدمهم فى الكفر فى الدنيا، فأوردهم النار، أى: فدخلها وأدخلهم معه فيها.
وعبر بالماضى مع أن ذلك سيكون يوم القيامة لتحقيق الوقوع وتأكده، وقد صرح القرآن بأنهم سيدخلون النار بمجرد موتهم فقال - تعالى -:
{ ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } وقوله وبئس الورد المورود، أى: وبئس الورد الذى يردونه النار، لأن الورد - الذى هو النصيب المقدر للإِنسان من الماء - إنما يذهب إليه قاصده لتسكين عطشه، وإرواء ظمته، وهؤلاء إنما يذهبون إلى النار التى هى الضد من ذلك.
ثم صرح - سبحانه - بلعنهم فى الدارين فقال: { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ }..
أى: إن اللعنة والفضيحة لحقت بهم واتبعتهم فى الدنيا وفى الأخرى، كما قال - تعالى - فى آية أخرى:
{ وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ } وجملة { بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ } مستأنفة لإِنشاء ذم اللعنة، والمخصوص بالذم محذوف دل عليه ذكر اللعنة، أى بئس الرفد هى.
الرفد العطاء والعون يقال رفد فلان فلانا يرفده رفدا أى أعطاه وأعانه على قضاء مصالحه، أى: بئس العطاء المعطى لهم تلك اللعنة المضاعفة التى لابستهم فى الدنيا والآخرة.
وسميت اللعنة رفدا على سبيل التهكم بهم، كما فى قول القائل: تحية بينهم ضرب وجيع. فكأنه - سبحانه - يقول: هذه اللعنة هى العطاء المعطى من فرعون لأتباعه الذين كانوا من خلفه كقطيع الأغنام الذى يسير خلف قائده بدون تفكر أو تدبر...
وبئس العطاء عطاؤه لهم...
وإلى هنا تكون هذه السورة الكريمة قد حدثتنا عن قصة نوح مع قومه، وعن قصة هود مع قومه، وعن قصة صالح مع قومه، وعن قصة إبراهيم مع الملائكة، وعن قصة لوط مع قومه ومع الملائكة، وعن قصة شعيب مع قومه، وعن قصة موسى مع فرعون وملئه.
ويلاحظ أن السورة الكريمة قد ساقت لنا تلك القصص حسب ترتيبها التاريخى والزمنى، لأهداف من أهمها:
1 - إبراز وحدة العقيدة فى دعوة الأنبياء جميعا، فكل نبى قد قال لقومه: اعبدوا اله مالكم من إله غيره... ثم يسوق لهم الأدلة على صدقه فيما بلغه عن ربه.
2 - إبراز أن الناس فى كل زمان ومكان فيهم الأخيار الذين يتبعون الرسل، وفيهم الأشرار الذين يحاربون الحق...
3 - بيان العاقبة الحسنة التى انتهى إليها المؤمنون بسبب إيمانهم وصدقهم وعملهم الصالح... والعاقبة السيئة التى انتهى إليها الكافرون بسبب كفرهم وإعراضهم عن الحق...
قال - تعالى -
{ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ). * * *
ثم ساقت السورة بعد ذلك حتى نهايتها آيات كريمة اشتملت على تعليقات وتعقيبات متنوعة، وهذه التعليقات والتعقيبات قوية الصلة بما سبقها من آيات...
وكان التعقيب الأول يهدف إلى بيان أن هذه القرى المهلكة التى منها ما هو قائم ومنها ما هو حصيد، ما ظلم الله - تعالى - أهلها، ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم بعصيانهم الرسل، وإصرارهم على الكفر والعناد، قال - تعالى -:
{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ... }.