التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ
١٢
وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ
١٣
لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ
١٤
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ
١٥
-الرعد

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

والبرق: ما يراه الرائى من نور لامع يظهر من خلال السحاب، وخوفا وطمعا: حالان من الكاف فى يريكم، أو هما فى محل المفعول لأجله.
والمعنى: هو الله - تعالى - وحده الذى يريكم بقدرته البرق، فيترتب على ذلك أن بعضكم يخاف ما ينجم عنه من صواعق، أو سيل مدمر، وبعضكم يطمع فى الخير من ورائه، فقد يعقبه المطر النافع، والغيث المدرار.
فمن مظاهر حكمة الله - تعالى - فى خلقه، أنه جعل البرق علامة إنذار وتبشير معا، لأنه بالإِنذار والتبشير تعود النفوس إلى الحق، وتفئ إلى الرشد.
وجملة { وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - سبحانه - وإنشاء السحاب: تكوينه من العدم.
والسحاب: الغيم المنسحب فى الهواء، وهو اسم جنس واحده سحابة، فلذلك وصف بالجمع وهو { الثقال } جمع ثقيلة.
أى: وهو - سبحانه - الذى ينشئ السحاب المثقل بالماء، فيرسله من مكان إلى مكان على حسب حكمته ومشيئته.
قال - تعالى -
{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } وقوله - سبحانه - { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ } بيان لمظهر ثالث من مظاهر قدرته.
والرعد: اسم للصوت الهائل الذى يسمع إثر تفجير شحنة كهربية فى طبقات الجو.
وعطف - سبحانه - الرعد على البرق والسحاب، لأنه مقارن لهما فى كثير من الأحوال. والتسبيح: مشتق من السبح وهو المرور السريع فى الماء أو فى الهواء وسمى الذاكر الله - تعالى - مسبحا، لأنه مسرع فى تنزيهه سبحانه عن كل نقص.
وتسبيح الرعد - وهو هذا الصوت الهائل - بحمد الله، يجب أن نؤمن به، ونفوض كيفيته إلى الله - تعالى - لأنه من الغيب الذى لا يعلمه إلا هو - سبحانه - وقد بين لنا - سبحانه - فى كتابه أن كل شئ يسبح بحمده فقال:
{ تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَاوَاتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } وقد فصل القول فى معنى هذه الجملة الكريمة الإِمام الآلوسى فقال -رحمه الله - ما ملخصه:
وقوله: { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ } قيل هو اسم للصوت المعلوم، والكلام على حذف مضاف أى: ويسبح سامعو الرعد بحمده - سبحانه - رجاء للمطر.
ثم قال: والذى اختاره أكثر المحدثين كون الإِسناد حقيقيا بناء على أن الرعد اسم للملك الذى يسوق السحاب، فقد أخرج أحمد والترمذى وصححه والنسائى وآخرون عن ابن عباس أن اليهود سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ فقال: "ملك من ملائكة الله - تعالى - موكّل بالسحاب، بيديه مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله - تعالى - قالوا. فما هذا الصوت الذى نسمع؟ قال صوته - قالوا: صدقت".
ثم قال: واستشكل بأنه لو كان علما للملك لما ساغ تنكيره، وقد نكر فى سورة البقرة فى قوله - تعالى -
{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } وأجيب بأن له إطلاقين: ثانيهما إطلاقه على نفس الصوت، والتنكير على هذا الإطلاق...".
والذى نراه أن تسبيح الرعد بحمد الله يجب الإِيمان به، سواء أكان الرعد اسما لذلك الصوت المخصوص؛ أم اسما لملك من الملائكة، أما كيفية هذا التسبيح فمردها إلى الله.
قال الإِمام الشوكانى: { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ } أى يسبح الرعد نفسه بحمد الله. أى: متلبسا بحمده، وليس هذا بمستبعد، ولا مانع من أن ينطقه الله بذلك.
وأما على تفسير الرعد بملك من الملائكة فلا استبعاد فى ذلك، ويكون ذكره على الإِفراد مع ذكر الملائكة بعده لمزيد خصوصية له. وعناية به".
وقال الإِمام ابن كثير: قال الإِمام أحمد: حدثنا عفان.. عن سالم عن أبيه قال:
" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع الرعد والصواعق قال: اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك" .
وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا أحمد بن إسحاق.. عن أبى هريرة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع صوت الرعد قال: سبحان من يسبح الرعد بحمده" .
وقوله - سبحانه - { وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ } نوع رابع من الأدلة الدالة على وحدانية الله وقدرته. أى ويسبح الرعد بحمد الله، ويسبح الملائكة - أيضا - بحمد الله، خوفا منه - تعالى - وإجلالا لمقامه وذاته.
و { من } فى قوله - تعالى - { مِنْ خِيفَتِهِ } للتعليل، أى: يسبحون لأجل الخوف منه. وقوله { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ } نوع خامس من الظواهر الكونية الدالة على كما قدرته - سبحانه -.
والصواعق جمع صاعقة، وهى - كما يقول ابن جرير - كل أمر هائل رآه الرائى أو أصابه، حتى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب وذهاب عقل...".
والمراد بها هنا: النار النازلة من السماء.
أى ويرسل - سبحانه - الصواعق المهلكة فيصيب بها من يشاء إصابته من خلقه.
وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها: أنها نزلت فى رجل من طواغيت العرب، بعث النبى - صلى الله عليه وسلم - نفرا يدعونه إلى الإِسلام، فقال لهم: أخبرونى عن رب محمد ما هو، أمن فضه أم من حديد؟
فبينا النفر ينازعونه ويدعونه إذا ارتفعت سحابة فكانت فوق رءوسهم فرعدت وأبرقت ورمت بصاعقة فأهلكت الكافر وهم جلوس.
فرجعوا إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فاستقبلهم بعض الصحابة فقالوا لهم: احترق صاحبكم؟ فقالوا: من أين علمتم؟ قالوا: أوحى الله إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ }
وضمير الجماعة فى قوله { وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ } يعود إلى أولئك الكافرين الذين سبق أن ساق القرآن بعض أقوالهم الباطلة، والتى منها قولهم:
{ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } والمجادلة: المخاصمة والمراجعة بالقول.
والمراد بمجادلتهم فى الله: تكذيبهم للنبى - صلى الله عليه وسلم - فيما أمرهم به من وجوب إخلاص عبادتهم لله - تعالى - وإيمانهم بيوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب.
والمحال: الكيد والمكر، والتدبير والقوة، والعقاب.. يقال: محل فلان بفلان - بتثليث الحاء - محلا ومحالا، إذا كاده وعرضه للهلاك.
قال القرطبى: قال ابن الأعرابى: المحال المكر وهو من الله - تعالى - التدبير بالحق أو إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر.
وقال الأزهرى: المحال: أى القوة والشدة.
وقال أبو عبيد: المحال: العقوبة والمكروه".
أى: أن هؤلاء الكافرين يجادلونك - أيها الرسول فى ذات الله وفى صفاته، وفى وحدانيته، وفى شأن البعث، وينكرون ما جئتهم به من بينات والحال أن الله - تعالى - شديد المماحلة والمكايدة والمعاقبة لأعدائه.
قال - تعالى -
{ وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ. فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } ثم بين - سبحانه - أن دعوته هى الدعوة الحق، وما عداها فهو باطل ضائع فقال: { لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ } أى: له وحده - سبحانه - الدعوة الحق المطابقة للواقع، لأنه هو الذى يجيب المضطر إذا دعاه، وهو الحقيق بالعبادة والالتجاء.
فإضافة الدعوة إلى الحق من إضافة الموصوف إلى صفته، وفى هذه الإِضافة إيذان بملابستها للحق، واختصاصها به، وأنها بمعزل عن الباطل.
ومعنى كونها له: أنه - سبحانه - شرعها وأمر بها.
قال الشوكانى: قوله: { لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَق } إضافة الدعوة إلى الحق للملابسة. أى: الدعوة الملابسة للحق، المختصة به التى لا مدخل للباطل فيها بوجه من الوجوه.
وقيل: الحق هو الله - تعالى - والمعنى: أنه لله - تعالى - دعوة المدعو الحق وهو الذى يسمع فيجيب.
وقيل: المراد بدعوة الحق ها هنا كلمة التوحيد والإِخلاص والمعنى: لله من خلقه أن يوحدوه ويخلصوا له العبادة.
وقيل: دعوة الحق، دعاؤه - سبحانه - عند الخوف، فإنه لا يدعوى فيه سواه، كما قال - تعالى -
{ وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } وقيل: الدعوة الحق، أى العبادة الحق فإن عبادة الله هى الحق والصدق".
ثم بين - سبحانه - حال - من يعبد غيره فقال: { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ }.
والمراد بالموصول "والذين" الأصنام التى يعبدها المشركون من دون الله.
والضمير فى يدعون، للمشركين، ورابط الصلة ضمير نصب محذوف أى: يدعونهم.
والمعنى: لله - تعالى - العبادة الحق، والتضرع الحق النافع، أما الأصنام التى يعبدها هؤلاء المشركون من غير الله. فإنها لا تجيبهم إلى شئ يطلبونه منها، إلا كإجابة الماء لشخص بسط كفيه إليه من بعيد، طالبا منه أن يبلغ فمه وما الماء ببالغ فم هذا الشخص الأحمق، لأن الماء لا يحس ولا يسمع نداء من يناديه.
والمقصود من الجملة الكريمة نفى استجابة الأصنام لما يطلبه المشركون منها نفيا قاطعا، حيث شبه - سبحانه - حال هذه الآلهة الباطلة عندما يطلب المشركون منها ما هم فى حاجة إليه، بحال إنسان عطشان ولكنه غبى أحمق لأنه يمد يده إلى الماء طالبا منه أن يصل إلى فمه دون أن يتحرك هو إليه. فلا يصل إليه شئ من الماء لأن الماء لا يسمع نداء من يناديه.
ففى هذه الجملة الكريمة تصوير بليغ لخيبة وجهالة من يتوجه بالعبادة والدعاء لغير الله - تعالى -.
وأجرى - سبحانه - على الأصنام ضمير العقلاء فى قوله { لاَ يَسْتَجِيبُونَ } مجاراة للاستعمال الشائع عند المشركين، لأنهم يعاملون الأصنام معاملة العقلاء.
ونكر شيئا فى قوله { لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ } للتحقير. والمراد أنهم لا يستجيبون لهم أية استجابة حتى ولو كانت شيئا تافها.
والاستثناء فى قوله { إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ... } من أعم الأحوال.
أى: لا يستجيب الأصنام لمن طلب منها شيئا، إلا استجابة كاستجابة الماء لملهوف بسط كفيه إليه يطلب منه أن يدخل فمه، والماء لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه ولا يقدر أن يجيب طلبه ولو مكث على ذلك طوال حياته.
والضمير "هو" فى قوله { وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ } للماء، والهاء فى "ببالغه" للفم: أى: وما الماء ببالغ فم هذا الباسط لكفيه.
وقيل الضمير "هو" للباسط، والهاء للماء، أى: وما الباسط لكفيه ببالغ الماء فمه.
قال القرطبى: "وفى معنى هذا المثل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الذى يدعو إلها من دون الله كالظمآن الذى يدعو الماء إلى فيه من بعيد يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه، ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا لأن الماء لا يستجيب، وما الماء ببالغ إليه، قاله مجاهد.
الثانى: أنه كالظمآن الذى يرى خياله فى الماء وقد بسط كفه فيه ليبلغ فاه وما هو ببالغه، لكذب ظنه وفساد توهمه. قاله ابن عباس.
الثالث: أنه كباسط كفيه إلى الماء ليقبض عليه، فلا يجد فى كفه شيئا منه.
وقد ضربت العرب مثلا لمن سعى فيما لا يدركه، بالقبض على الماء كما قال الشاعر:

ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابضعلى الماء، خانته فروج الأصابع

وقوله - سبحانه - { وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } أى: وما عبادة الكافرين للأصنام، والتجاؤهم إليها فى طلب الحاجات، إلا فى ضياع وخسران لأن هذه الآلهة الباطلة لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا، فضلا عن أن تملك ذلك لغيرها.
ثم بين - سبحانه - أن هذا الكون كله خاضع له - عز وجل - فقال : { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ }.
والمراد بالسجود له - سبحانه -: الانقياد والخضوع لعظمته.
وظلالهم: جمع ظل وهو صورة الجسم المنعكس إليه نور.
والغدو: جمع غدوة وهو ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.
والآصال: جمع أصيل وهو ما بين العصر وغروب الشمس.
والمعنى: ولله - تعالى - وحده يخضع وينقاد جميع من فى السماوات والأرض من الملائكة والإِنس والجن وغيرهم.
وقوله { طَوْعاً وَكَرْهاً } منصوبان على الحال من "من"، أى: أن جميعهم يسجدون لله، وينقادون لعظمته، حال كونهم طائعين وراضين بهذا السجود والانقياد، وحال كونهم كارهين وغير راضين به، لأنهم لا يستطيعون الخروج على حكمه لا فى الإِيجاد ولا فى الإِعدام ولا فى الصحة ولا فى المرض، ولا فى الغنى ولا فى الفقر.. فهم خاضعون لأمره شاءوا أم أبوا.
ويستوى فى هذا الخضوع المؤمن والكافر، إلا أن المؤمن خاضع عن طواعية بذاته وبظاهره وبباطنه لله - تعالى - .
أما الكافر فهو خاضع لله - تعالى - بذاته، ومتمرد وجاحد وفاسق عن أمر ربه بظاهره، والضمير فى قوله - سبحانه - { وَظِلالُهُم } يعود على { مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }.
أى: لله - تعالى - يخضع من فى السماوات والأرض طوعا وكرها ويخضع له - أيضا - بالغدو والآصال ظلال من له ظل منهم، لأن هذه الظلال لازمة لأصحابها والكل تحت قهره ومشيئته فى الامتداد والتقلص والحركة والسكون.
قال - تعالى -
{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } وقال تعالى: { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } ثم وجه - سبحانه - عن طريق نبيه - صلى الله عليه وسلم - أسئلة تهكمية إلى هؤلاء المشركين المجادلين فى ذات الله - تعالى - وفى صفاته، وساق لهم أمثلة للحق والباطل، وبين لهم حسن عاقبة المستجيبين لدعوة الحق، وسوء عاقبة المعرضين عنها فقال - تعالى -:
{ قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ... }.