التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٧٨
وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
١٧٩
-البقرة

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

{ كُتِبَ } من الكتب، وهو فى الأصل ضم أديم إلى أديم بالخياطة. وتعورف فى ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط، وأطلق على المضموم فى اللفظ وإن لم يكتب بالخط، ومنه الكتابة، ويطلق الكتب والكتاب والكتابة على الإِيجاب والفرض؛ لأن الشأن فيما وجب ويفرض أن يراد ثم يقال ثم يكتب، ومنه { { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ } أى: فرض عليكم.
{ ٱلْقِصَاصِ }: العقوبة بالمثل من قتل أو جرح. وهو - كما قال القرطبى - مأخوذ من قص الأثر وهو اتباعه ومنه القاص لأنه يتبع الآثار والأخبار وقص الشعر اتباع أثره، فكأن القاتل سلك طريقاً من القتل فقص أثره فيها ومشى على سبيله فى ذلك، ومنه
{ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } وقيل: القص القطع. يقال: قصصت ما بينهما. ومنه أخذ القصاص؛ لأنه يجرحه مثل جرحه أو يقتله به. يقال أقص الحاكم فلاناً من فلان به فأمثله فامتثل منه، أى: اقتص منه".
فمادة القصاص تدل على التساوى والتماثل والتتبع.
والقتلى جمع قتيل، والقتيل من يقتله غيره من الناس.
والمعنى: يأيها الذين آمنوا فرض عليكم وأوجب القصاص بسبب القتلى. بأن تقتلوا القاتل عقوبة له على جريمته مع مراعاة المساواة التى قررها الشارع الحكيم، فلا يجوز لكم أن تقتلوا غير القاتل، كما لا يجوز لكم أن تسرفوا فى القتل بأن تقتلوا القاتل وغيره من أقاربه.
فمعنى القصاص هنا أن يقتل القاتل لأنه فى نظر الشريعة مساو للمقتول فيقتل به. وقد بين العلماء أن القصاص يفرض عند القتل الواقع على وجه التعمد والتعدى، وعند مطالبة أولياء القتيل بالقود - أى القصاص - من القاتل.
ولفظ "فى" فى قوله - تعالى -: { فِي ٱلْقَتْلَى } للسببية، أى: فرض عليكم القصاص بسبب القتلى. كما فى قوله صلى الله عليه وسلم
"دخلت امرأة النار فى هرة" أى بسببها.
وصدرت الآية بخطاب { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } تقوية لداعية إنفاذ حكم القصاص الذى شرعه الخبير بنفوس خلقه، لأن من شأن الإِيمان الصادق أن يحمل صاحبه على تنفيذ شريعة الله التى شرعها لإِقامة الأمان والاطمئنان بين الناس، ولسد أبواب الفتن التى تحل عرا الألفة والمودة بينهم.
وقد وجه - سبحانه - الخطاب إلى المؤمنين كافة مع أن تنفيذ الحدود من حق الحاكم لإِشعارهم بأن عليهم جانباً من التبعة إذا أهمل الحكام تنفيذ هذه العقوبات التى شرعها الله.
وإذا لم يقيموها بالطريقة التى بينتها شريعته، ولإِشعارهم كذلك بأنهم مطالبون بعمل ما يساعد الحكام على تنفيذ الحدود بالعدل. وذلك بتسليم الجانى إلى المكلفين بحفظ الأمن، وأداء الشهادة عليه بالحق والعدل، وغير ذلك من وجوه المساعدة.
وقوله - تعالى -: { ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ } بيان لمعنى المساواة فى القتل المشار إليها بلفظ القصاص فالجملة تتمة لمعنى الجملة السابقة، ومفادها أنه لا يقتل فى مقابل المقتول سوى قاتله، لأن قتل غير الجانى ليس بقصاص بل هو اعتداء يؤدى إلى فتنة فى الأرض وفساد كبير.
وقد يفهم من مقابلة { ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ } أنه لا يقتل صنف بصنف آخر، وهذا الفهم غير مراد على إطلاقه، فقد جرى العمل منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتل الرجل بالمرأة.
قال القرطبى: "أجمع العلماء على قتل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل".
والخلاف فى قتل الحر بالعبد. فبعض العلماء يرى قتل الحر بالعبد، وبعضهم لا يرى ذلك، ولكل فريق أدلته التى يمكن الرجوع إليها فى كتب الفقه.
والغرض الذى سيقت من أجله الآية الكريمة، إنما هو وجوب تنفيذ القصاص بالعدل والمساواة وإبطال ما كان شائعا فى الجاهلية من أن القبيلة القوية كانت إذا قتلت منها القبيلة الضعيفة شخصا لا ترضى حتى تقتل فى مقابلة من الضعيفة أشخاصاً. وإذا قتلت منها عبداً تقتل فى مقابله حراً أو أحراراً، وإذا قتلت منها أنثى قتلت فى نظيرها رجلا أو أكثر. فيترتب على ذلك أن ينتشر القتل، ويشيع الفساد، وقد حكى لنا التاريخ كثيراً مما فعله الجاهليون فى هذا الشأن.
قال الإِمام البيضاوى عند تفسيره لهذه الآية: كان فى الجاهلية بين حيين من أحياء العرب دماء وكان لأحدهما طول على الآخر فأقسموا لنقتلن الحر منكم بالعبد، والذكر بالأنثى، فلما جاء الإِسلام تحاكموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية. وهى لا تدل على أنه لا يقتل الحر بالعبد والذكر بالأنثى، كما لا تدل على عكسه، فإن المفهوم يعتبر حيث لم يظهر للتخصيص غرض سوى اختصاص الحكم.
ثم أورد - سبحانه - بعد إيجابه للقصاص العادل - حكماً يفتح باب التراضى، بين القاتل وأولياء المقتول، بأن أباح لهم أن يسقطوا عنه القصاص إذا شاؤوا ويأخذوا فى مقابل ذلك الدية، فقال - تعالى -: { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ }.
عُفِى: من العفو وهو الإِسقاط. والعفو عن المعصية، ترك العقاب عليها. والذى عفى له هو القاتل، و{ أَخِيهِ } الذى عفا هو ولى المقتول. والمراد بلفظ { شَيْء } القصاص، وهو نائب فاعل { عُفِيَ }.
والمعنى: أن القاتل عمداً إذا أسقط عنه أخوه ولى دم القتيل القصاص، راضيا أن يأخذ منه الدية بدل القصاص، فمن الواجب على ولى الدم أن يتبع طريق العدل فى أخذ الدية من القاتل بحيث لا يطالبه بأكير من حقه، ومن الواجب كذلك على القاتل أن يدفع له الدية بالطريق الحسنى، بحيث لا يماطله ولا يبخسه حقه.
فقوله - تعالى -: { فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ } وصية منه - سبحانه - لولى الدم أن يكون رفيقاً فى مطالبته القاتل بدفع الدية.
وقوله: { وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } وصية منه - سبحانه - للقاتل بأن يدفع الدية لولى الدم بدون تسويف أو مماطلة.
وفى هذه الوصايا تحقيق لصفاء القلوب، وشفاء لما فى الصدور من آلام، وتقوية لروابط الأخوة الإِنسانية بين البشر.
وبعضهم فسر العفو بالعطاء فيكون المعنى: فمن أعطى له وهو ولى المقتول من أخيه وهو القاتل شيئاً وهو الدية، فعلى ولى المقتول اتباعه بالمعروف، وعلى القاتل أداء إليه بإحسان.
وسمى القرآن الكريم القاتل أخا لولى المقتول، تذكيراً بالأخوة الإِنسانية والدينية، حتى يهز عطف كل واحد منهما إلى الآخر، فيقع بينهم العفو، والاتباع بالمعروف، والأداء بإحسان.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: عفى بتعدى بعن لا باللام فما وجه قوله { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ }؟ قلت: يتعدى بعن إلى الجانى وإلى الذنب فيقال: عفوت عن فلان وعن ذنبه. قال - تعالى -:
{ عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ } وقال: { عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا } فإذا تعدى إلى الذنب والجانى معاً قيل: عفوت لفلان عما جنى، كما تقول: غفرت له ذنبه وتجاوزت له عنه. وعلى هذا ما فى الآية، كأنه قيل: فمن عفى عن جنايته فاستغنى عن ذكر الجناية.
وجاء التعبير بلفظ شىء منكراً لإِفادة التقليل. أى: فمن عفى له من أخيه ما يسمى شيئاً من العفو والتجاوز ولو أقل قليل، تم العفو وسقط القصاص، ولم تجب إلا الدية، وذلك بأن يعفو بعض أولياء الدم، لأن القصاص لا يتجزأ.
وفى ذلك تحبيب من الشارع الحكيم لولى الدم، فى العفو وفى قبول الدية، إذ العفو أقرب إلى صفاء القلوب، وتجميع النفوس على الإِخاء والتعاطف والتسامح. وفيه - أيضا - إبطال لما كان عليه أهل الجاهلية من التعبير من قبول أخذ الصلح فى قتل العمد، وعدهم ذلك لونا من بيع دم المقتول بثمن بخس. قال بعضهم يحرض قومه على الثأر.

فلا تأخذوا عَقْلاً من القوم إننىأرى العار يبقى والمعاقل تذهب

وقال شاعر آخر يَذْكُر قوماً لم يقبلوا الصلح عن قتيل لهم:

فلو أن حيا يقبل المال فديةلسقنا لهم سيباً من المال مفعماً
ولكن أبى قوم أصيب أخوهمرضا العار فاختاروا على اللبن الدما

ثم بين - سبحانه - أنه يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر فقال: { ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ }.
أى: ذلك الذى شرعناه لكم من تيسير أمر القصاص بأداء الدية إلى ولى القتيل إذا رضى طائعاً مختاراً، أردنا منه التخفيف عليكم إذ فى الدية تخفيف على القاتل بإبقاء حياته وإنقاذها من القتل قصاصاً، وفيها كذلك نفع لولى القتيل، إذ هذا المال الذى أخذه نظير عفوه يستطيع أن ينتفع به فى كثير من مطالب حياته.
وبهذا نرى أن الإِسلام قد جمع فى تشريعه الحكيم لعقوبة القتل بين العدل والرحمة. إذ جعل القصاص حقاً لأولياء المقتول إذا طالبوا به لا ينازعهم فى ذلك منازع وهذا عين الإِنصاف والعدل.
وجعل الدية عوضاً عن القصاص إذا رضوا بها باختيارهم، وهذا عين الرحمة واليسر.
وبالعدالة والرحمة تسعد الأمم وتطمئن فى حياتها؛ إذ العدالة هى التى تكسر شره النفوس، وتغسل غل الصدور، وتردع الجانى عن التمادى فى الاعتداء، لأنه يعلم علم اليقين أن من وراء الاعتداء قصاصا عادلا.
والرحمة هى التى تفتح الطريق أمام القلوب لكى تلتئم بعد التصدع وتتلاقى بعد التفرق، وتتوادد بعد التعادى، وتتسامى عن الانتقام إلى ما هو أعلى منه وهو العفو. فلله هذا التشريع الحكيم الذى ما أحوج العالم إلى الأخذ به، والتمسك بتوجيهاته.
ثم ختم - سبحانه - الآية بالوعيد الشديد لمن يتعدى حدوده، ويتجاوز تشريعه الحكيم فقال: { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
أى: فمن تجاوز حدوده بعد هذا التشريع الحكيم الذى شرعناه بأن قتل القاتل بعد قبول الدية منه، أو بأن قتل غير من يستحق القتل فله عذاب شديد الألم؛ من الله - تعالى - لأن الاعتداء بعد التراضى والقبول يدل على نكث العهد، ورقه الدين، وانحطاط الخلق.
ثم بين - سبحانه - الحكمة فى مشروعية القصاص توطيناً للنفوس على الانقياد له، وتقوية لعزم الحكام على إقامته فقال - تعالى -: { وَلَكُمْ فى ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ } أى: ولكم فى مشروعية القصاص حياة عظيمة، فالتنوين للتعظيم.
قال صاحب الكشاف، وذلك أنهم كانوا يقتلون الجماعة بالواحد، وكم قتل مهلهل بأخيه كليب حتى كاد يفنى قبيلة بكر بن وائل. وكان يقتل بالمقتول غير قاتله فتثور الفتنة ويقع بينهم التناحر فلما جاء الإِسلام بشرع القصاص كانت فيه حياة أى حياة، أو نوع من الحياة وهى الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل، لأنه إذا هم بالقتل فعلم أنه يقتص منه ارتدع فسلم صاحبه من القتل وسلم هو من القود فكان القصاص سبب حياة نفسين.
هذا وقد نقل عن العرب ما يدل على أنهم تحدثوا عن حكمة القصاص ومن أقوالهم فى هذا الشأن: "قتل البعض إحياء للجميع، وأكثروا القتل ليقل القتل" وأجمعوا على أن أبلغ الأقوال التى عبروا بها عن هذا المعنى قولهم "القتل أنفى للقتل" وقد أجمع أولو العلم على أن قوله - تعالى -: { وَلَكُمْ فى ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ } أبلغ من هذه العبارة التى نطق بها حكماء العرب، بمقدار ما بين كلام الخالق وكلام المخلوق، وذكروا أن الآية تفوق ما نطق به حكماء العرب من وجوه كثيرة من أهمها:
1 - أن الآية جعلت سبب الحياة القصاص وهو القتل على وجه التساوى، أما العبارة العربية فقد جعلت سبب الحياة القتل، ومن القتل ما يكون ظلماً، فيكون سببا للفناء لا للحياة، وتصحيح هذه العبارة أن يقال: القتل قصاصاً أنفى للقتل ظلما.
2 - أن الآية جاءت خالية من التكرار اللفظى، فعبرت عن القتل الذى هو سبب الحياة بالقصاص. والعبارة كرر فيها لفظ القتل فمسها بهذا التكرار من القتل ما سلمت منه الآية.
3 - أن الآية جعلت القصاص سبباً للحياة التى تتوجه إليها الرغبة مباشرة، والعبارة العربية جعلت القتل سبباً لنفى القتل الذى تترتب عليه الحياة.
4 - الآية مبنية على الإِثبات والمثل على النفى، والإِثبات أشرف لأنه أول والنفى ثان له.
5 - أن تنكير حياة فى الآية يفيد تعظيماً، فيدل على أن القصاص حياة متطاولة كما فى قوله - تعالى -:
{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ } ولا كذلك المثل. فإن اللام فيه للجنس، ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء.
6 - تعريف { ٱلْقِصَاصُ } بلام الجنس الدالة على حقيقة هذا الحكم المشتملة على الضرب والجرح والقتل - وغير ذلك، والمثل لا يشمل ذلك.
7 - أن الآية مع أفضليتها عن المثل من حيث البلاغة والشمول واللفظ والمعنى أقل حروفاً من المثل.
هذه بعض وجوه أفضلية الآية على المثل، وهناك وجوه أخرى ذكرها العلماء فى كتبهم.
وفى قوله: { يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ } تنبيه بحرف النداء على التأمل فى حكمة القصاص.
و{ ٱلأَلْبَابِ }: جمع لب وهو العقل الخالص من شوائب الأوهام، أو العقل الذكى الذى يستبين الحقائق بسرعة وفطنة، ويستخرج لطائف المعانى من مكانها ببراعة وحسن تصرف.
وخص النداء بأولى الألباب مع أن الخطاب بحكمة القصاص شامل لهم ولغيرهم لأنهم الذين يتدبرون عواقب الأمور، ويعرفون قيمة الحياة ويقدرون حكم التشريع قدرها. وفى هذا النداء تنبيه على أن من ينكرون مصلحة القصاص وأثره النافع فى تثبيت دعائم الأمن، يعيشون بين الناس بعقول غير سليمة، ولا يزال الناس يشاهدون فى كل عصر ما يثيره القتل فى صدور أولياء القتلى من أحقاد طاغية، لولا أن القصاص يخفف من سطوتها لتمادت بهم فى تقاطع وسفك دماء دون الوقوف عند حد.
وختمت الآية بهذه الجملة التعليلية { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون } زيادة فى إقناع نفوسهم بأمر القصاص، أى: شرعنا لكم هذه الأحكام الحكيمة لتتقوا القتل حذراً من القصاص، ولتعيشوا آمنين مطمئنين، ومتوادين متحابين.
وبهذا البيان الحكيم تكون الآيتان الكريمتان قد أرشدنا إلى ما يحمى النفوس، ويحقن الدماء، ويردع المعتدين عن الاعتداء، ويغرس بين الناس معانى التسامح والإِخاء، ويقيم حياتهم على أساس من الرحمة والعدالة وحسن القضاء.
وبعد أن بين - سبحانه - ما يتعلق بالقصاص أتبعه بالحديث عن الوصية، ليرشد الناس إلى ما ينبغى أن تكون عليه، وليبطل ما كان من عوائد الجاهلية من وصايا جائرة فقال - تعالى -:
{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ... إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.