التفاسير

< >
عرض

يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ
٤٠
وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ
٤١
وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
٤٢
وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ
٤٣
-البقرة

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم السلام - وفى إضافتهم إلى أبيهم إسرائيل تشريف لهم وتكريم، وحث لهم على الامتثال لأوامر الله ونواهيه، فكأنه قيل: يا بنى العبد الصالح، والنبى الكريم، كونوا مثل أبيكم فى الطاعة والعبادة.
ويستعمل مثل هذا التعبير فى مقام الترغيب والترهيب، بناء على أن الحسنة فى نفسها حسنة وهى من بيت النبوة أحسن، والسيئة فى نفسها سيئة وهى من بيت النبوة أسوأ، ففي هذا النداء. خير داع لذوى الفطر السليمة منهم إلى الإِقبال على ما يرد بعده من التذكير بالنعمة، واستعمالها فيما خلقت له.
ومعنى { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } تنبهوا بعقولكم وقلوبكم لتلك المنافع التى أتتكم على سبيل الإِحسان منى، وقوموا بحقوقها وأكثروا من الحديث عنها بألسنتكم، فإن التحدث بنعم الله فيه إغراء بشكرها.
والمراد بالنعمة: المنعم بها عليهم، وتجمع على نعم، وقد وردت فى القرآن الكريم بمعنى الجمع كما فى قوله تعالى:
{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } فإن لفظ العدد والإِحصاء قرينة على أن المراد بالنعمة: النعم الكثيرة. ويبدوا أن المراد بالنعمة فى الآية التى معنا كذلك النعم المتعددة حيث إنه لم يقم دليل على أن المراد بها نعمة معهودة، وعلماء البيان يعدون استعمال المفرد فى معنى الجمع - اعتماداً على القرينة - من أبلغ الأساليب الكلامية.
ثم أمرهم - سبحانه - بالوفاء بما عاهدهم عليه، فقال تعالى: { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } العهد ما من شأنه أن يراعى ويحفظ، كاليمين والوصية وغيرهما، ويضاف إلى المعاهِد والمعاهَد جميعاً، يقال: أوفيت بعهدى، أى بما عاهدت غيرى عليه، وأوفيت بعهدك، أى بما عاهدتنى عليه، وعهد الله: أوامره ونواهيه، والوفاء به يتأتى باتباع ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، ويندرج فيه كل ما أخذ على بنى إسرائيل فى التوراة، من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم متى بعث، والإِيمان بما جاء به من عند الله وتصديقه فيما يخبر عن ربه.
والمعنى: وأوفوا بما عاهدتمونى عليه من الإِيمان بى، والطاعة لى، والتصديق برسلى، أوف بما عاهدتكم عليه من التمكين فى الأرض فى الدنيا والسعادة فى الآخرة.
ثم أمرهم - سبحانه - بأن يجعلوا خوفهم من خالقهم وحده، فقال - تعالى - { وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } أى: خافونى ولا تخافوا سواى، ولتكن قلوبكم عامرة بخشيتى وحدى، فإن ذلك يعينكم على طاعتى، ويبعدكم عن معصيتى.
وحذف متعلق الرهبة للعموم، أى ارهبونى فى جميع ما تأتون، وما تذرون، حتى لا أنزل بكم من النقم مثل ما أنزلت بمن قبلكم من المسخ وغيره، فالآيات الكريمة قد تضمنت وعداً ووعيداً وترغيباً وترهيباً.
{ وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ }.
وبعد أن أمر الله - عز وجل - بنى إسرائيل، أن يوفوا بعهده عموماً أتبع ذلك بأمرهم بأن يوفوا بأمر خاص وهو القرآن الكريم، وفى التعبير عنه بذلك تعظيم لشأنه، وتقخيم لأمره. وأفرد - سبحانه - أمرهم بأن يؤمنوا به مع إندراجه فى قوله - تعالى - { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ } للإِشارة إلى أن الوفاء بالعهد لا يحصل منهم إلا إذا صدقوا به.
والمراد بما معهم التوراة، والتعبير عنها بذلك للإِشعار بعلمهم بتصديقه لها. والمعنى: آمنوا يا بنى إسرائيل بالكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الكريم المصدق لكتابكم التوراة، ومن مظاهر هذا التصديق اشتمال دعوته على ما يحقق دعوتها، من الأمر بتوحيد الله - تعالى - والحث على التمسك بالفضائل، والبعد عن الرذائل، وإخباره بما جاء بها من الإِشارة إلى بعثة النبى صلى الله عليه وسلم ومطابقة ما وصفته به مطابقة واضحة جلية وموفقته لها فى أصول الدين الكلية، وهيمنته عليها، ولذا قال - عليه الصلاة والسلام -:
"لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعى"
. وفى إخبار بنى إسرائيل بأن القرآن الكريم مصدق لما معهم، إثارة لهممهم لو كانوا يعقلون - للإِقبال عليه، متدبرين آياته، حتى تستيقن نفوسهم أنه دعوة الحق والإِصلاح المؤدية إلى السعادة فى الدنيا والآخرة وحتى تطمئن قلوبهم إلى أن الإِيمان به معناه الإِيمان بما معهم، والكفر به، كفر بما بين أيديهم، حيث إن ما بين أيديهم قد بشر ببعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - المنزل عليه القرآن الكريم.
قال الإِمام الرازى: وهذه الجملة الكريمة تدل على صدق النبى - صلى الله عليه وسلم - من وجهين:
أولهما: أن الكتب السابقة قد بشرت به، وشهاداتها لا تكون إلا حقاً.
وثانيهما: أنه - عليه الصلاة والسلام - قد أخبرهم عما فى كتبهم بدون معرفة سابقة لها، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق الوحى.
وبعد أن أمرهم - سبحانه - بالإِيمان الخالص، عرض بهم لتكذيبهم وجحوهم، فقال - تعالى -: { وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } أى: لا تكونوا أول فريق من أهل الكتاب يكفر بالقرآن الكريم، فيقتدى بكم أناس آخرون وبهذا تصيرون أئمة للكفر مع أن من الواجب عليكم أن تسارعوا إلى الإيمان به لأنكم أدرى الناس بأنه من عند الله، وأكثرهم علماً بأنه الرسول الذى نزل عليه هذا القرآن، وهو الصادق الأمين فيما يبلغه عن ربه.
والمقصود من هذه الجملة الكريمة، تبكيتهم على مسارعتهم فى الكفر، واستعظام وقوع الجحود منهم، وتوعدهم عليه بسوء المآل.
قال الإِمام الرازى: (هذه الجملة خطاب لبنى إسرائيل قبل غيرهم فكأنه - سبحانه - يقول لهم: لا تكفروا بمحمد، فإنه سيكون بعدكم كفرة، فلا تكونوا أنتم أولهم لأن هذه الأولية موجبة لمزيد الإِثم، وذلك لأنهم إذا سُبقوا إلى الكفر، فإما أن يقتدى بهم غيرهم أولا، فإن اقتدى بهم غيرهم كان عليهم وزره ووزر كل كافر إلى يوم القيامة، وإن لم يقتد بهم غيرهم، اجتمع عليهم أمران: السبق إلى الكفر؛ والتفرد به وكلاهما منقصة عظيمة، وتؤدى إلى العاقبة الوبيلة).
ثم نهاهم عن أن يبيعوا دينهم بدنياهم، فقال - تعالى -: { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً }. والاشتراء هنا استعارة للاستبدال، والذى استبدل به الثمن القليل هو الإِيمان بالآيات، والمراد بالآيات: البراهين المؤيدة لصدق النبى صلى الله عليه وسلم وفى مقدمتها القرآن الكريم والتوراة.
والمراد بالثمن القليل: حظوظ الدنيا وشهواتها من نحو الرياسة والمال والجاه، وما إلى ذلك من الأمور التى خافوا ضياعها لو اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم.
والمعنى: لا تستبدلوا بالإِيمان بما أنزلت مصدقاً لما معكم شيئاً من حطام الدنيا، ولا تختاروا على ثواب الله بديلا من الأموال، فإنها مما كثرت فهى قليلة مسترذلة بالنسبة لما يناله أولو الإِيمان الخالص من رعاية ضافية فى الدنيا، وخيرات حسان فى الأخرى.
وليس وصف الثمن بالقلة من الأوصاف المخصصة للنكرات، بقل هو من الأوصاف اللازمة للثمن المحصل بالآيات؛ إذ لا يكون إلا قليلا وإن بلغ ما بلغ من أعراض الدنيا بجانب رضا الله - عز وجل -.
ونزل تمكينهم من الإِيمان بالآيات لوضوحها منزلة حصوله بالفعل، فكأن الإِيمان كان فى حوزتهم، ولكنهم خلعوه ونبذوه، مستبدلين الذى هو أدنى بالذى هو خير؛ فباءوا بغضب على غضب لكفرهم بالقرآن الكريم وبتوراتهم التى بشرت بالرسول - عليه الصلاة والسلام -.
ثم حذرهم - سبحانه - من التمادى فى الكفر بما أنزل، مصدقاً لما معهم، فقال - تعالى - "وإياي فاتقون" الاتقاء معناه الحذر، يقال: فلان اتقى الله أى حذر عقابه وبطشه، والحذر من عقاب الله، يستلزم امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فمعنى "وإياى فاتقون" آمنوا بى، واتبعوا الحق وأعرضوا عن الباطل.
وبعد أن نهى القرآن الكريم بنى إسرائيل عن الكفر والضلال، عقب ذلك بنهيهم عن أن يعملوا لإِضلال غيرهم، فقال - { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }.
اللبس - بفتح اللام - الخلط، وفعله: ليس، من باب: ضرب تقول: لبَست عليه الأمر، ألبِسه إذا مزجت بينه بمشكله، وحقه بباطله.
ولدعاة الضلالة طريقتان فى إغواء الناس:
إحداهما: طريقة خلط الحق بالباطل حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر وهى المشار إليها بقوله تعالى: { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ }.
والثانية: طريقة جحد الحق وإخفائه حتى لا يظهر، وهى المشار إليها بقوله تعالى: { وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ }.
وقد استعمل بنو إسرائيل الطريقتين لصرف الناس عن الإِسلام، قد كان بعضهم يؤول نصوص كتيهم الدالة على صدق النبى - صلى الله عليه وسلم - تأويلا فاسداً، يخلطون فيه الحق بالباطل، ليوهموا العامة أنه ليس هو النبى المنتظر، وكان بعضهم يلقى حول الحق الظاهر شبهاً، ليوقع ضعفاء الإِيمان فى حيرة وتردد، وكان بعضهم يخفى أو يحذف النصوص الدالة على صدق النبى صلى الله عليه وسلم، والتى لا توافق أهواءهم وشهواتهم، فنهاهم الله - تعالى - عن هذه التصرفات الخبيثة.
والمعنى: ولا تخلطوا الحق الواضح الذى نطقت به الكتب السماوية، وأيدته العقول السليمة، بالباطل الذى تخترعونه من عند أنفسكم، إرضاء لأهوائكم، ولا تكتموا الحق الذى تعرفونه، كما تعرفون أبناءكم، بغية انصراف الناس عنه "لأن من جهل شيئاً عاداه، فالنهى الأول عن التغيير والخلط، والنهى الثانى عن الكتمان والإِخفاء.
وقوله تعالى: { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } جملة حالية، أى وأنتم من ذوى العلم، ولا يناسب من كان كذلك أن يكتم الحق، أو يلبسه بالباطل، وإذا كان هذا الفعل - وهو لبس الحق بالباطل، أو كتمانه وإظهار الباطل وحده - يعد من كبائر الذنوب، فإن وقعه يكون أقبح، وفساده أكبر، وعاقبته أشأم متى صدر من عالم فاهم، يميز بين الحق والباطل.
ففى هذه الجملة الكريمة بيان لحال بنى إسرائيل، المخاطبين بهذا النهى، وتبكيت لهم، لأنهم لم يفعلوا ما فعلوه عن جهالة، وإنما عن علم وإصرار على سلوك هذا الطريق المعوج.
قال أبو حيان فى البحر: "وهذه الحال، وإن كان ظاهرها أنها قيد فى النهى عن اللبس والكتم، فلا تدل بمفهومها على جواز اللبس والكتم حالة الجهل، إذ الجاهل بحال الشىء لا يدرى كونه حقاً أو باطلا، وإنما فائدتها بيان أن الإِقدام على الأشياء القبيحة، مع العلم بها، أفحش من الإِقدام عليها مع الجهل.
وبعد أن أمرهم - سبحانه - بأصل الدين الذى هو الإِيمان به وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أردفه بركنين من أركانه العملية، إذا قاموا بهما لانت قلوبهم للحق، وانعطفت نفوسهم نحو خشية الله وحده، فقال تعالى: { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } والمراد بإقامة الصلاة، أداؤها مستوفية لأركانها وشرائطها وآدابها. والمراد بإيتاء الزكاة دفعها لمستحقيها كاملة غير منقوصة.
والمعنى: عليكم يا معشر اليهود أن تحافظوا على أداء الصلاة، التى هى أعظم العبادات البدنية، وعلى إيتاء الزكاة التى هى أعظم العبادات المالية، وأن تخضعوا لما يلزمكم فى دين الله - تعالى - لأن فى محافظتكم على هذه العبادات تطهيراً لقلوبكم، وتأليفاً لنفوسكم، وتزكية لمشاعركم، ولأنكم إن لم تحافظوا عليها كما أمركم الله - تعالى - فسيلحقكم الخزى فى الدنيا، والعذاب فى الأخرى.
هذا، ونرى من المناسب أن نختم تفسير هذه الآيات الكريمة، وبيان ما اشتملت عليه من توجيه سليم، وتركيب بليغ، بما قاله أبو حيان فى تفسيره، فقال قال -رحمه الله -:
"وفى هذه الجمل - وإن كانت معطوفات بالواو التى لا تقتضى فى الوضع ترتيباً - ترتيبٌ عجيب من الفصاحة، وبناء الكلام بعضه على بعض، وذلك أنه تعالى أمرهم أولا بذكر النعمة التى أنعمها عليهم، إذ فى ذلك ما يدعو إلى محبة المنعم ووجوب طاعته: ثم أمرهم بإيفاء العهد الذى التزموه للمنعم، ثم رغبهم بترتيب إيفائه هو تعالى بعهدهم فى الإِيفاء بالعهد، ثم أمرهم بالخوف من نقمه إن لم يوفوا، فاكتنف الأمر بالإِيفاء أمر بذكر النعمة والإِحسان، وأمر بالخوف من العصيان. ثم أعقب ذلك بالأمر بإيمان خاص وهو ما أنزل من القرآن، ورغب فى ذلك بأنه مصدق لما معهم، فليس أمراً مخالفاً لما فى أيديهم، لأن الانتقال إلى الموافق أقرب من الانتقال إلى المخالف ثم نهاهم عن استبدال الخسيس بالنفيس، ثم أمرهم - تعالى - باتقائه ثم أعقب ذلك بالنهى عن لبس الحق بالباطل، وعن كتم الحق، فكان الأمر بالإِيمان أمراً بترك الضلال، والنهى عن لبس الحق بالباطل، وكتمان الحق تركاً للإِضلال.
ولما كان الضلال ناشئاً عن أمرين:
إما تمويه الباطل حقاً، إن كانت الدلائل قد بلغت المستمع، وإما عن كتمان الدلائل إن كانت لم تبلغه، أشار إلى الأمرين بلا تلبسوا وتكتموا، ثم قبح عليهم هذين الوصفين مع وجود العلم، ثم أمرهم بعد تحصيل الإِيمان، وإظهار الحق بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، لأن الصلاة آكد العبادات البدنية، والزكاة آكد العبادات المالية ثم ختم ذلك بالأمر بالانقياد والخضوع له - تعالى - مع جملة الخاضعين الطائعين.
فكان افتتاح هذه الآيات بذكر النعم واختتامها بالانقياد للمنعم، وما بينهما من تكاليف اعتقادية، وأفعال بدنية ومالية، وبنحو ما تضمنته هذه الآيات من الافتتاح والإِرداف والاختتام يظهر فضل كلام الله - تعالى - على سائر الكلام، وهذه الأوامر والنواهى، وإن كانت خاصة ببنى إسرائيل فى الصورة، إلا أنها عامة فى المعنى، فيجب على كل مكلف فى كل زمان ومكان أن يعمل بها".
وبعد كل هذه الأوامر والنواهى، وبخهم الله - تعالى - وقرعهم على ارتكابهم لأمور لا تصدر عن عاقل. وهى أنهم يأمرون الناس بالخير ولا يفعلونه، فقال تعالى:
{ أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ... }.