التفاسير

< >
عرض

وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٨
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ
٩
-العنكبوت

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول الآية الأولى روايات منها ما أخرجه الترمذى، من أنها نزلت فى سعد بن أبى وقاص، وذلك أنه حين أسلم، قالت له أمه حمنة بنت سفيان: يا سعد بلغنى أنك صبأت، فوالله لا يظلنى سقف بيت، وإن الطعام والشراب على حرام، حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم.... فجاء سعد إلى النبى صلى الله عليه وسلم - فشكى إليه ما قالته أمه.
فنزلت هذه الآية.. فجاء سعد إليها فقال لها: يا اماه لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا ما تركت دينى، فكلى إن شئت، وإن شئت فلا تأكلى، فلما يست منه أكلت وشربت..."
وقوله: { حُسْناً } منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف. أى: ووصينا الإِنسان بوالديه إيصاء حسنا، وعبر بالمصدر للمبالغة فى وجوب الإِحسان إليهما، بأن يكون باراً بهما، وعطوفاً عليهما، وسخياً معهما.
وقوله - سبحانه -: { وَإِن جَاهَدَاكَ } معطوف على ما قبله بإضمار القول: أى: ووصينا الإِنسان بوالديه حسنا، وقولنا له { وَإِن جَاهَدَاكَ } أى: إن حملاك وأمراك { لِتُشْرِكَ بِي } فى العبادة أو الطاعة { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ } فى ذلك، فإنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.
وقوله - سبحانه -: { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } بيان للواقع، فهذا القيد لا مفهوم له، لأنه ليس هناك من إله فى هذا الكون، سوى الله عز وجل.
وقوله تعالى: { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } تذييل المقصد به التحذير من معصيته - سبحانه -.
أى: إلى مرجعكم جميعا - أيها الناس - يوم القيامة، فأحاسبكم على أعمالكم حسابا دقيقا، وأجازى الذين أساءوا بما عملوا، وأجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ } الأعمال { ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ } بفضلنا وإحساننا { فِي ٱلصَّالِحِينَ } أى فى زمرة الأقوام { ٱلصَّالِحِينَ } الذين رضينا عنهم، ورضوا عنا.
ثم يرسم القرآن الكريم بعد ذلك صورة واضحة لأصحاب القلوب المريضة، والنفوس الضعيفة، ويحكى جانبا من أقوالهم الفاسدة، ودعاواهم الكاذبة فيقول: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ...عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }.