التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ
٧٥
وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ
٧٦
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ
٧٧
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ
٧٨
سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ
٧٩
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٨٠
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ
٨١
ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ
٨٢
-الصافات

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

وقصة نوح - عليه السلام - قد وردت فى القرآن الكريم فى سور متعددة منها: سورة الأعراف، وسورة هود، وسورة نوح، وسورة المؤمنون.
وهنا يحدثنا القرآن عن جانب من النعم التى أنعم بها الله - تعالى - على نبيه نوح - عليه السلام - حيث أجاب له دعاءه، ونجاه وأهله من الكرب العظيم وأهلك أعداءه المكذبين.
واللام فى قوله: { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ... } واقعة فى جواب القسم محذوف والمراد بالنداء الدعاء الذى تضرع به نوح - عليه السلام - وطلب منا أن ننصره على قومه الكافرين فاستجبنا له أحسن إجابة، ونعم المجيبون نحن، فقد أهلكنا أعداءه بالطوفان.
أخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: كان النبى - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى فى بيتى فمر بهذه الآية، قال: "صدقت ربنا، أنت أقرب من دعى، وأقرب من بُغِى - أى طُلِب لإِجابة الدعاء - فنعم المدعو أنت، ونعم المعطى أنت، ونعم المسئول أنت ربنا ونعم المصير".
والمراد بأهله فى قوله - تعالى -: { وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } الذين آمنوا معه.
أى: ونجيناه وأهله الذين آمنوا معه - بفضلنا وإحساننا - من الكرب العظيم، الذى حل بأعدائه الكافرين، حيث أغرقناهم أجمعين.
{ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } أى: وجعلنا ذريته من بعده هم الذين بقوا وبقى نسلهم من بعدهم، وذلك لأن الله - تعالى - أهلك جميع الكافرين من قومه، أما من كان معه من المؤمنين من غير ذريته، فقد قيل إنهم ماتوا، ولم يبق سوى أولاده.
قال ابن كثير: قوله - تعالى - { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } قال ابن عباس: لم تبق إلا ذرية نوح.
وقال قتادة: الناس كلهم من ذرية نوح.
وروى الترمذى وابن جرير وابن أبى حاتم عن سمرة عن النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله: { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } قال:
"هم سام، وحام، ويافث" .
وروى الإِمام أحمد - بسنده - عن سمرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم" .
{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ. سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } أى: وأبقينا عليه فى الأمم التى ستأتى من بعده إلى يوم القيامة، الذكر الحسن، والكلمة الطيبة ألا وهى قولهم: سلام على نوح فى العالمين، أى: تحية وأمان وثناء جميل على نوح فى العالمين.
وقوله: { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } تعليل لما منحه - سبحانه - لعبده نوح من نعم وفضل وإجابة دعاء.
أى: مثل ذلك الجزاء الكريم الذى جازينا به نوحا - عليه السلام - نجازى كل من كان محسنا فى أقواله وأفعاله. وإن عبدنا نوحا قد كان من عبادنا الذين بلغوا درجة الكمال فى إيمانهم وإحسانهم.
قال صاحب الكشاف: قوله: { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } أى من الأمم هذه الكلمة، وهى: "سلام على نوح" يعنى: يسلمون عليه تسليما ويدعون له. فإن قلت: فما معنى قوله: { فِي ٱلْعَالَمِينَ }.
قلت: معناه الدعاء بثبوت هذه التحية فيهم جميعا، وأن لا يخلو أحد منهم منها، كأنه قيل: ثبت الله التسليم على نوح وأدامه فى الملائكة والثقلين، يسلمون عليه عن آخرهم.
علل - سبحانه - مجازاة نوح بتلك التكرمة السنية، من تبقية ذكره، وتسليم العالمين عليه إلى آخر الدهر، بأنه كان محسناً، ثم علل كونه محسناً، بأنه كان عبداً مؤمناً، ليريك جلالة محل الإِيمان، وأنه لقصارى من صفات المدح والتعظيم، ويرغبك فى تحصيله وفى الازدياد منه.
ثم ختم - سبحانه - القصة بقوله: { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } أى: لقد أضفنا إلى تلك النعم التى أعطيناها لنبينا نوح - عليه السلام - أننا أغرقنا أعداءه الذين آذوه، وأعرضوا عن دعوته.
وتلك سنتنا لا تتخلف، أننا ننجى المؤمنين، ونهلك الكافرين.
وجاءت بعد قصة نوح - عليه السلام - قصة إبراهيم - عليه السلام - وقد حكى الله - تعالى - ما دار بين إبراهيم وبين قومه، كما حكى بعض النعم التى أنعمها - سبحانه - عليه، بسبب إيمانه وإحسانه، فقال - تعالى -:
{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ... }.