التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ
٤٥
إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ
٤٦
وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ
٤٧
وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ
٤٨

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

أى: واذكر - أيها الرسول الكريم - حال عبادنا إبراهيم وإسحاق، ويعقوب. أصحاب القوة فى الطاعة، وأصحاب البصيرة المشرقة الواعية فى أمور الدين.
فالأيدى مجاز مرسل عن القوة، والأبصار جمع بصر بمعنى بصيرة على سبيل المجاز - أيضا - ويصح أن يكون المراد بقوله: { أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } أى: أصحاب الأعمال الجليلة، والعلوم الشريفة، فيكون ذكر الأيدى من باب ذكر السبب وإرادة المسبب، والأبصار بمعنى البصائر، لأن عن طريقها تكون العلوم النافعة.
قال صاحب الكشاف: قوله { أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } يريد: أولى الأعمال والفكر، كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة، ولا يجاهدون فى الله، ولا يفكرون أفكار ذوى الديانات، ولا يستبصرون، كأن هؤلاء فى حكم الزمنى - أى المرضى - الذين لا يقدرون على إعمال جوارحهم. والمسلوبى العقول الذين لا استبصار بهم. وقيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله، ولا من المستبصرين فى دين الله، وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل، مع كونهم متمكنين منهما
ثم بين - سبحانه - أسباب وصفهم بتلك الأوصاف الكريمة، فقال - تعالى -: { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ... }.
ومعنى: { أَخْلَصْنَاهُمْ } خالصين لطاعتنا وعبادتنا. والباء فى قوله { بِخَالِصَةٍ } للسببية، وخالصة اسم فاعل. والتنوين فيها للتفخيم، وهى صفة لمحذوف.
و { ذِكْرَى ٱلدَّارِ } بيان لها بعد إبهامها للتفخيم. أو محلها النصب بإضمار أعنى.. أو الرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف أى: هى.
و { ذِكْرَى } مصدر مضاف لمفعوله، وتعريف الدار للعهد. أى: الدار الآخرة.
والمعنى: إنا جعلنا هؤلاء العباد - وهم إبراهيم وإسحاق يعقوب - خالصين لطاعتنا وعبادتنا، متبعين لأوامرنا ونواهينا، لا تصافهم بخصلة خالصة من كل ما لا يرضينا، وهى تذكرهم للدار الآخرة وما فيها من ثواب وعقاب.
وقرأ نافع { بخالصةِ } بدون تنوين على الإِضافة لذكرى. من إضافة الصفة إلى الموصوف. أو المصدر لفاعله إن جعلت خالصة مصدرا كالعاقبة.
أى: أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار.
ثم أثنى عليهم - سبحانه - بثناء آخر فقال: { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ }.
أى: وإن هؤلاء العباد، لهم عندنا ممن اصطفيناهم لحمل رسالتنا، واخترناهم لتبليغ دعوتنا. ومن العباد الأخيار. أى: الذين يفضلون على غيرهم فى المناقب الحميدة، والصفات الكريمة. جمع خير - بإسكان الياء - أفعل تفضيل.
ثم أثنى - سبحانه - على عدد آخر من عباده الصالحين فقال: { وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ }.
وإسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - ولم يذكر فيما سبق مع أبيه ومع أخيه إسحاق، ومع ابن أخيه يعقوب، اعتناء بشأنه، وللإِشارة إلى عراقته فى الصبر وفى تحمل الشدائد.
واليسع: هو ابن شافاط أو أخطوب: قيل استخلفه إلياس من بعده على بنى إسرائيل، ثم منحه الله - تعالى - النبوة. وكانت وفاته فى حوالى سنة 840 ق.م وفدن بالسامرة.
وذا الكفل: هو ابن أيوب. بعثه الله - تعالى - بعد أبيه، وكان مقيما بالشام. والأكثرون على أنه نبى لذكره معهم.
وقيل هو رجل صالح من بنى إسرائيل. ولم يكن نبيا، وسمى بذلك لأنه تكفل لأحد أنبيائهم بالقيام بالطاعات فوفى بذلك.
والتنوين فى قوله - تعالى -: { وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ } عوض عن المضاف إليه. أى: وكل هؤلاء العباد الذين ذكرناهم، من أهل الخير والفضل والصلاح والصبر على الأذى.
ثم عقبت السورة الكريمة على ذلك، بعقد مقارنة بين عاقبة المؤمنين الصادقين، وعاقبة الكافرين الجاحدين، وذكرت جانبا مما يدور بين أهل النار من مجادلات.. فقال - تعالى -:
{ هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ... }.