التفاسير

< >
عرض

سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ
١٤٨
قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ
١٤٩
قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ
١٥٠
-الأنعام

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

إن هذه الآيات الكريمة تعرض لشبهة قديمة جديدة: قديمة لأن كثيرا من مجادلى الرسل موهوابها، وحديثة لأنها دائما تراود كثيرا من المتمسكين بالأوهام فى سبيل إرضاء نزواتهم من المتع الباطلة والشهوات المحرمة.
إنهم يقولون عندما يرتكبون القبائح والمنكرات: هذا أمر الله، وهذا قضاؤه، وتلك مشيئته وإرادته، ولو شاء الله عدم فعلنا لهذه الأشياء لما فعلناها وإذا كان الله قد قضى علينا بها فما ذنبنا؟ ولماذا يعاقبنا عليها؟ إلى غير ذلك من اللغو الباطل، والكلام العابث الذى يريدون من ورائه التحلل من أوامر الله ونواهيه.
ولنتدبر سوياً أيها القارىء الكريم - هذه الآيات، وهى تحكى تلك الشبهات الباطلة، ثم تقذفها بالحق الواضح، والبرهان القاطع، فإذا هى زاهقة.
يقول - سبحانه - { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ }.
أى: سيقول هؤلاء المشركون لو شاء الله - تعالى - ألا نشرك به وألا يشرك به آباؤنا من قبلنا، لنفذت مشيئته، ولما أشركنا نحن ولا آباؤنا.
ولو شاء كذلك ألا نحرم شيئاً مما حرمناه من الحرث والأنعام وغيرها لتمت مشيئته ولما حرمنا شيئاً مما حرمنا.
ولكنه - سبحانه - لم يشأ ذلك، بل شاء لنا أن نشرك معه فى العبادة هذه الأصنام، وأن نحرم ما نحرم من الحرث والأنعام وقد رضى لنا ذلك فلماذا تطالبنا يا محمد بتغيير مشيئة الله، وتدعونا إلى الدخول فى دينك الذى لم يشأ الله دخولنا فيه؟.
قال الآلوسى ما ملخصه: "وهم لم يريدوا بهذا الكلام الاعتذار عن ارتكاب القبيح، لأنهم لم يعتقدوا قبح أفعالهم وإنما مرادهم من هذا القول الاحتجاج على أن ما ارتكبوه - من الشرك والتحريم - حق ومشروع ومرضى عند الله، بناء على أن المشيئة والإِرادة تسابق الأمر وتستلزم الرضا، فيكون حاصل كلامهم:
إن ما نرتكبه من الشرك والتحريم وغيرهما تعلقت به مشيئة الله وإرادته، وكل ما تعلقت به مشيئة الله وإرادته فهو مشروع ومرضى عنده. فينتج أن ما نرتكبه من الشرك والتحريم مشروع ومرضى عند الله".
وقد حكى القرآن فى كثير من آياته ما يشبه قولهم هذا، ومن ذلك قوله - تعالى -
{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } وقوله - تعالى - { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } وقد رد القرآن على قولهم بما يبطله فقال: { كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا }.
أى: مثل هذا التكذيب من مشركى مكة للرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من إبطال الشرك، قد كذب الذين من قبلهم لرسلهم، واستمروا فى تكذيبهم لهم حتى أنزلنا على هؤلاء المكذبين عذابنا ونقمتنا.
ومن مظاهر تكذيب هؤلاء المشركين لرسلهم، أنهم عندما قال لهم الرسل عليهم السلام - اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. كذبوهم واحتجوا عليهم بأن ما هم عليه من شرك واقع بمشيئة الله، وزعموا أنه ما دام كذلك فهو مرضى عنده - سبحانه - فكان الرد عليهم بأنه لو كان هذا الشرك وغيره من قبائحهم مرضيا عنده - سبحانه -: لما أذاق أسلافهم المكذبين - الذين قالوا لرسلهم مثل قولهم - عذابه ونقمته. ولما أخذهم أخذ عزيز مقتدر.
قال الآلوسى ما ملخصه: وحاصل هذا الرد أن كلام المشركين يتضمن تكذيب الرسل وقد دلت المعجزة على صدقهم، ولا يخفى أن المقدمة الأولى وهى أن كل شىء بمشيئة الله: لا تكذيب فيها، بل هى متضمنة لتصديق ما تطابق فيه العقل والشرع من كون كل شىء بمشيئة الله، وامتناع أن يجرى فى ملكه خلاف ما يشاء. فمنشأ التكذيب هو المقدمة الثانية، وهى أن كل ما تعلقت به مشيئة الله وإرادته فهو مشروع ومرضى عنه، لأن الرسل عليهم السلام: يدعونهم إلى التوحيد ويقولون لهم: إن الله لا يرضى لعباده الكفر دينا ولا يأمر بالفحشاء، فيكون قوله: إن ما نرتكبه مشروع ومرضى عنده سبحانه: تكذيب لقول الرسل. وحيث كان فساد هذه الحجة باعتبار المقدمة الثانية تعين أنها ليست بصادقة، وحينئذ يصدق نقيضها وهى أنه ليس كل ما تعلقت به المشيئة والإِرادة بمشروع ومرضى عنده - سبحانه - بناء على أن الإِرادة لا تساوق الأمر.
ثم بعد هذا الرد المفحم للمشركين أمر الله: تعالى: رسوله أن يطالبهم بدليل على مزاعمهم فقال: { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ }.
أى: قل لهم يا محمد على سبيل التوبيخ والتعجيز: هل عندكم من علم ثابت تعتمدون عليه فى قولكم { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا }! إن كان عندكم هذا العلم فاخرجوه لنا لنتباحث معكم فيه، ونعرضه على ما جئتكم به من آيات بينة ودلائل ساطعة. فإن العاقل هو الذى لا يتكلم بدون علم، ولا يحيل على مشيئة الله التى لا ندرى عنها شيئاً.
و{ مِّنْ } فى قوله { مِّنْ عِلْمٍ } زائدة، وعلم مبتدأ، وعندكم خبر مقدم.
وقوله: { فَتُخْرِجُوهُ } منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية الواقعة بعد الاستفهام الإِنكارى.
ثم بين حقيقة حالهم فقال: { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ }.
أى: أنتم لستم على شىء ما من العلم، بل ما تتبعون فى أقوالكم وأعمالكم وعقائدكم إلا الظن الباطل الذى لا يغنى من الحق شيئا. وما أنتم إلا تخرصون أى تكذبون على الله فيما ادعيتموه.
وأصل الخرص: القول بالظن. يقال: خرصت النخل خرصا - من باب قتل - حزرت ثمره وقدرته بالظن والتخمين، واستعمل فى الكذب لما يداخله من الظنون الكاذبة، فيقال: خرص فى قوله - كنصر - أى كذب.
وبعد أن نفى - سبحانه - عنهم أدنى ما يقال له علم وحصر ما هم عليه من دين فى أدنى مراتب الظن مع أن أعلاها لا يغنى من الحق شيئاً، ووصمهم بالكذب فيما يدعونه، بعد كل ذلك أثبت لذاته - سبحانه - فى مقابلة ذلك الحجة العليا التى لا تعلوها حجة فقال:
{ قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }.
الحجة: كما قال الراغب فى مفرداته: الدلالة المبينة للمحجة، أى: المقصد المستقيم.
أى: قل أيها الرسول الكريم لهؤلاء المشركين الذين بنوا قواعد دينهم على الظن والكذب بعد أن عجزوا عن الإِثبات بأدنى دليل على مزاعمهم، قل لهم: لله وحده الحجة البالغة. أى البينة الواضحة التى بلغت أعلى درجات العلم والقوة والمتانة، والتى وصلت إلى أعلى درجات الكمال فى قطع عذر المحجوج وإزالة الشكوك عمن تدبرها وتأملها.
وقوله. { فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } أى: لو شاء - سبحانه - هدايتكم جميعا لفعل؛ لأنه لا يعجزه شىء، ولكنه لم يشأ ذلك، بل شاء هداية البعض لأنهم صرفوا اختيارهم إلى سلوك طريق الحق، وشاء ضلالة آخرين، لأنهم صرفوا اختيارهم إلى سلوك طريق الباطل.
ونريد أن نزيد هذه الشبهة القديمة الحديثة تمحيصا وكشفا ودفعا فنقول لأولئك الذين يبررون ارتكابهم للموبقات بأنها واقعة بمشيئة الله.
نحن معكم فى أنه لا يقع فى ملكه - سبحانه - إلا ما يشاؤه، فالطائع تحت المشيئة والعاصى تحت المشيئة، ولكن المشيئة لم تجبر أحدا على طاعة أو معصية وقضاء الله وقدره هو علمه بكل ما هو كائن قبل أن يكون، وليس العلم صفة تأثير وجبر.
ولقد شاء الله - تعالى - أن يجعل فى طبيعة البشر الاستعداد للخير والشر، ووهبهم العقل ليهتدوا به وأرسل إليهم الرسل لينموا فيهم استعدادهم وسن لهم شريعة لتكون مقياساً ثابتا لما يأخذون وما يدعون، كى لا يتركهم لعقولهم وحدها.
وإذن مشيئة الله متحققة حسب سنته التى ارتضاها مختارا - وهو قادر على اختيار غيرها وعلى تغييرها وتبديلها - متحققة سواء اتخذ العبد طريقه إلى الهدى أو إلى الضلال، وهو مؤاخذ إن ضل ومأجور إذا اهتدى. غير أن سنة الله اقتضدت أن من يفتح عينه يبصر النور، ومن يغمضها لا يراه، كذلك من يفتح قلبه لإِدراك دلائل الإِيمان يهتدى. ومن يحجب قلبه عنها يضل، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
وإذن فزعم الزاعمين بأن الله شاء هذا على معنى أنه أجبرهم عليه فهم لا يستطيعون عنه فكاكا، إنما هو زعم باطل لا سند له من العلم والتفكير الصحيح فإن المشيئة الإِلهية لها سنة تقيدت بها، وهذه السنة هى أنه لا جبر على طاعة ولا قسر على معصية.
وتقرير ذلك يؤخذ من قوله - تعالى - { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } أى: فلو شاء أن يكرهكم ويفرض هدايتكم بقدرته وقدره لهداكم، ولكنه لم يشأ إجباركم على الضلالة، فهى مشيئة المنح والتيسير وليست مشيئة الإِلجاء والتسخير قال - تعالى -
{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يطالب المشركين بإحضار من يشهد لهم بأن الله قد حرم عليهم ما زعموا تحريمه من الحرث والأنعام وغيرها فقال:
{ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا }.
هلم: لفظ يقصد به الدعوة إلى الشىء، وهى اسم فعل بمعنى أقبل إذا كان لازما، وبمعنى أحضر وائت إذا كان متعديا كما هنا، ويستوى فيه الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث فى لغة الحجازين.
أى: أحضروا شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم عليكم هذا الذى زعمتم تحريمه، وهم كبراؤهم الذين أسسوا ضلالهم.
والمقصود من إحضارهم تفضيحهم وإلزامهم الحجة، وإظهار أنه لا متمسك لهم كمقلدين، ولذلك قيد الشهداء بالإِضافة، ووصفوا بما يدل على أنهم شهداء معروفون بالشهادة لهم وبنصر مذهبهم.
ثم قال - سبحانه - { فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } أى: فإن فرض إحضار هؤلاء الشهود الذين عرفوا بضلالهم فلا تصدقهم ولا تقبل شهادتهم ولا تسلمها لهم بالسكوت عليها فإن السكوت عن الباطل فى مثل هذا المقام كالشهادة به وإنما عليك أن تبين لهم بطلان زعمهم بواسطة ما آتاك الله من حجج وبينات.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف أمره باستحضار شهدائهم الذين يشهدون أن الله حرم ما زعموه محرما ثم أمره بأن لا يشهد معهم؟ قلت: أمره باستحضارهم وهم شهداء بالباطل ليلزمهم الحجة ويلقمهم الحجر، ويظهر للمشهود لهم بانقطاع الشهداء أنهم ليسوا على شىء لتساوى أقدام الشاهدين والمشهود لهم فى أنهم لا يرجعون إلى ما يصح التمسك به. وقوله { فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } يعنى فلا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم، لأنه إذا سلم لهم فكأنه شهيد معهم مثل شهادتهم وكان واحدا منهم.
ثم قال - سبحانه - { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أى: ولا تتبع أهواء هؤلاء الناس الذين كذبوا بآياتنا التى أنزلها الله عليك لتكون هداية ونورا لقوم يعقلون، فإن شهادتهم - إن وقعت - فإنما هى صادرة عن هوى وضلال.
ولم يقل - سبحانه - ولا تتبع أهواءهم بل قال: ولا تتبع أهواء الذين كذبوا، فوضع الظاهر موضع الضمير لبيان أن المكذب بهذه الآيات والحجج الظاهرة إمعانا فى التمسك بتقاليده الباطلة، إنما هو صاحب هوى وظن لا صاحب علم وحجة.
وقوله { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } عطف على الموصوف قبله لتعدد صفاتهم القبيحة.
أى: ولا تتبع أهواء الذين يجمعون بين تكذيب آيات الله، وبين الكفر بالآخرة، وبين جعلهم لله عديلا أى شريكا مع أنه - سبحانه - هو الخالق لكل شىء، لأن هذه الصفات لا تؤهلهم لشهادة حق، ولا للثقة بهم، وإنما للاحتقار فى الدنيا، ولسوء العذاب فى الآخرة.
وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حكت فى بضع عشرة آية جانبا من رذائل المشركين وسخف تقاليدهم وعبث أهوائهم وفساد معاذيرهم وبطلان شبهاتهم وردت عليهم بما يخرس ألسنتهم، ويبطل حجتهم، فيما أحلوه وحرموه فى شأن النذور والذبائح والمطاعم والمشارب وغير ذلك مما حكته الآيات الكريمة.
ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى أفق أرحب وأوسع، وإلى ميدان أفسح وأشمل فتناديهم بأسلوب مؤثر بليغ ليستمعوا إلى ما حرم الله عليهم فيجتنبوه وإلى ما كلفهم به فيعملوه، تناديهم ليتدبروا فى الأصول الكلية التى تقوم عليها العقيدة السليمة، ويسعد بها المجتمع، ويحيا فى ظلها الأفراد والجماعات فى أمان واطمئنان. تناديهم ليسمعوا البيان الصحيح الحق فيما أحل الله وحرم من الأفعال والأقوال ليسمعوه ممن له وحده الحق فى أن يقوله، وفى أن يتلقى عنه تناديهم فتقول: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ... }.