التفاسير

< >
عرض

قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
١٢
-الأعراف

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

أى: قال الله - تعالى - لإِبليس: ما ألزمك واضطرك إلى أن لا تسجد لآدم؟ فالمنع مجاز عن الإِلجاء والاضطرار. أو ما حملك ودعاك إلى ألا تسجد؟ فالمنع مجاز عن الحمل. والاستفهام للتوبيخ والتقريع.
و(لا) فى قوله: { أَلاَّ تَسْجُدَ } مزيدة للتنبيه على أن الموبخ عليه ترك السجود. وتوكيد لمعنى الفعل الذى دخلت عليه وتحقيقه، كأنه قيل: ما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك.
وقد حكى القرآن ما أجاب به إبليس فقال: { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } أى: قال إبليس أنا خير من آدم، لأنى مخلوق من عنصر النار الذى هو أشرف من عنصر الطين، والأشرف لا يليق به الانقياد لمن هو دونه.
قال ابن كثير: "وقول إبليس - لعنة الله - { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ }... إلخ. من العذر الذى هو أكبر من الذنب، إذ بين بأنه خير من آدم لأنه خلق من النار وآدم خلق من الطين، فنظر اللعين إلى أصل العنصر ولم ينظر إلى التشريف العظيم، وهو أن الله - تعالى - خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وقاس قياساً فاسداً فى مقابلة نص، وهو قوله - تعالى -:
{ فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } فشذ من بين الملائكة لترك السجود فأبعده الله عن رحمته، وكان قياسه فاسداً لأن النار ليست أشرف من الطين، فإن الطين من شأنه الرزانة والأناة والتثبت، وهو محل النبات والنمو والزيادة والإِصلاح، والنار من شأنها الإِحراق والطيش والسرعة، ولهذا خان إبليس عنصره، ونفع آدم عنصره بالرجوع والإِنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله. وفى صحيح مسلم عن عائشة قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم ما وصف لكم" .
وقد حكى القرآن ما رد الله به على إبليس بقوله: { قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا.... }.