التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٩
-يونس

خواطر محمد متولي الشعراوي

وقد جاءت آية في سورة البقرة متشابهة مع هذه الآية وإن اختلف الأسلوب، فقد قال الحق سبحانه في سورة البقرة: { { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ } [البقرة: 213] والذين يقرأون القرآن بسطحية وعدم تعمق قد لا يلتفتون إلى الآيات المشابهة لها في المعنى العام، وهذه الآيات توازن بين المعاني فلا تضارب بين آية وأخرى.
ولذلك نجد بين المفكرين العصريين من يقول: إن الناس كانوا كلهم كفاراً، ثم ارتقى العقل محاولاً اكتشاف أكثر الكائنات قوة؛ ليعبدوه، فوجدوا أن الجبل هو الكائن العالي الصلب؛ فعبدوه. وأناس آخرون قالوا: إن الشمس أقوى الكائنات فعبدوها، وآخرون عبدوا القمر، وعبد قوم غيرهم النجوم، واتخذ بعض آخر آلهة من الشجر، وكل جماعة نظرت إلى جهة مختلفة تتلمس فيها القوة.
وهم يأخذون من هذا أن الإنسان قد اهتدى إلى ضرورة الدين بعقله، ثم ظل هذا العقل في ارتقاء إلى أن وصل إلى التوحيد.
ونرد على أصحاب هذا القول: أنتم بذلك تريدون أن تعزلوا الخلق عن خالقهم، وكأن الله الذي خلق الخلق وأمدهم بقوام حياتهم المادية قد ضَنَّ عليهم بقوام حياتهم المعنوية، وليس هذا من المقبول أو المعقول، فكيف يضمن لهم الحياة المادية، ولا يضمن لهذه المادية قيماً تحرسها من الشراسة وتحميها من الفساد والإفساد؟
وقوله الحق:
{ { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [البقرة: 213].
لذلك فَهِمَ البعض أن الناس كانوا أمة واحدة في الكفر، وحين جاء النبيون، اختلف الناس؛ لأن منهم من آمن ومنهم من ظل على الكفر، ولكن لو أحسن الذين قالوا مثل هذا القول الاستنباط وحسن الفهم عن الله لوجدوا أن مقصود الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها الآن إنما هو: ما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا؛ فبعث الله النبيين؛ ليخرجوهم عن الخلاف ويعيدوهم إلى الاتفاق على عهد الإيمان الأول الذي شهدوا فيه بربوبية الحق سبحانه وتعالى؛ لأن الأصل في المسألة هو الإيمان لا الكفر.
ومن أخذ آية سورة البقرة كدليل على كفر الناس أولاً، نقول له: اقرأ الآية بأكملها؛ لتجد قوله الحق:
{ { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ.. } [البقرة: 213].
وهكذا نرى أن الاختلاف الذي حدث بين الناس جاء في آية البقرة في المؤخرة، بينما جاء الاختلاف في هذه الآية في المقدمة، وهذا دليل على أن الناس كانوا أمة واحدة على الإيمان، فليس هناك أناس أوْلَى من أناس عند الخالق سبحانه وتعالى، ولم يكن عدل الله ليترك أناساً متخبطين في أمورهم على الكفر، ويرسل الرسل لأناس آخرين بالهداية؛ فالناس بالنسبة لله سواء. وما دام الحق سبحانه قد أوجد الخلق من البشر فلا بد أن يُنزل لهم منهجاً؛ ولذلك حين نقرأ قول الحق سبحانه:
{ { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } [آل عمران: 96].
نجد فيه الرد على من يقول إن إبراهيم عليه السلام هو أول من بنى الكعبة؛ لأن الحق سبحانه وتعالى لم يترك الخلق من آدم إلى إبراهيم دون بيت يحجون إليه، ولكن الحق سبحانه وضع البيت؛ ليحج إليه الناس من أول آدم إلى أن تقوم الساعة، والذي وضع البيت ليس من الناس، بل شاء وضع البيت خالق الناس، وما فعله سيدنا إبراهيم - عليه السلام - هو رفع القواعد من البيت الحرام.
أي: أنه أقام ارتفاع البيت بعد أن عرف مكان البيت طولاً وعرضاً، مصداقاً لقول الحق سبحانه:
{ { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ.. } [الحج: 26].
وهكذا يَصْدُق قول الحق سبحانه بأن البيت قد وُجد للناس قبل آدم، وهو للناس إلى أن تقوم الساعة، وهكذا نعلم أن الحق سبحانه خلق الخلق وأنزل لهم المنهج، والأصل في الناس هو الإيمان، لكن الكفر هو الذي طرأ على البشر من بابين: باب الغفلة، وباب تقليد الآباء.
والدليل على ذلك أن الحق سبحانه وتعالى حينما تكلَّم عن ميثاق الذر، قال:
{ { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [الأعراف: 172ـ173].
إذن: فالتعصِّي عن الحكم الإيماني مدخله بابان: الأول باب الغفلة، أي: أن تكون قد علمتَ شيئاً، ولم تجعله دائماً في بؤرة شعورك؛ لأن عقلك يستقبل المعلومات، ويستوعبها من مرة واحدة، إن لم تكن مُشتَّتَ الفكر في أكثر من أمر، فإن كنت صافي الفكر ومنتبهاً إلى المعلومة التي تَصِلُكَ؛ فإن عقلك يستوعبها من مرة واحدة، ومن المهم أن يكون الذهن خالياً لحظة أن تستقبل المعلومة الجديدة.
ولذلك نجد فارقاً بين إنسان وإنسان آخر في حفظ المعلومات، فواحد يستقبل المعلومة وذهنه خالٍ من أي معلومة غيرها، فتثبت في بؤرة الشعور، بينما يضطر الآخر إلى تكرار قراءة المعلومة إلى أن يخلو ذهنه من غيرها؛ فتستقر المعلومة في بؤرة الشعور، وحين تأتي معلومة أخرى، فالمعلومة الأولى تنتقل إلى حاشية الشعور إلى حين أن يستدعيها مرة أخرى.
وإذا أراد طالب ـ على سبيل المثال ـ أن يستوعب ما يقرأ من معلومات جديدة، فعليه أن ينفض عن ذهنه كل المشاغل الأخرى؛ ليركِّز فيما يدرس؛ لأنه إن جلس إلى المذاكرة وباله مشغول بما سوف يأكل في الغداء، أو بما حدث بينه وبين أصدقائه، أو بما سوف يرتدي من ملابس عند الخروج من البيت، أو بغير ذلك من المشاغل، هنا سوف يُضطر الطالب أن يعيد قراءة الدرس أكثر من مرة؛ حتى يصادف الدرسُ جزئية خالية من بؤرة الشعور؛ فتستقر فيها.
وقد نجد طالباً في صباح يوم الامتحان وهو يسمع من زملائه أن الامتحان قد يأتي في الجزء الفلاني من المقرر؛ فيفتح الكتاب المقرر على هذا الجزء ويقرأه مرة واحدة؛ فيستقر في بؤرة الشعور، ويدخل الامتحان، ليجد السؤال في الجزء الذي قرأه مرة واحدة قبل دخوله إلى اللجنة؛ فيجيب عن السؤال بدقة.
ولذلك فالتلميذ الذكي هو من يقوم بما يسمِّيه علم النفس "عملية الاستصحاب"، أي: أن يقرأ الدرس ثم يغلق الكتاب؛ ليسأل نفسه: "ما الجديد من المعلومات في تلك الصفحة؟" ويحاول أن يتذكر ذلك، ويحاول أن يتعرف حتى على الألفاظ الجديدة التي في تلك الصفحة، وما هي الأفكار الجديدة التي صحَّحَتْ له معلومات أو أفكاراً خاطئة كانت موجودة لديه.
وهكذا يستصحب الطالب معلوماته بتركيز وانتباه.
وكذلك الأستاذ المتميز هو من يشرح الدرس ثم يتوقف؛ ليسأل التلاميذ؛ ليثير انتباههم؛ حتى لا ينشغل أحدهم بما هو خارج الدرس، والأستاذ المتميز هو الذي يلقي درسه بما يستميل التلاميذ، كما تستميلهم القصة المروية، وحتى لا تظل المعلومات الدراسية مجرد معلومات جافة.
وبهذا يستمر الذهن بلا غفلة، والغفلة تأتي إلى القضايا الدينية؛ لأن في الإنسان شهوات تصادم الأوامر والنواهي؛ فيتناسى الإنسان بعض الأوامر وبعض النواهي إلى أن يأتي الران الذي قال عنه الحق سبحانه:
{ { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14].
ويبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالحديث الشريف:
"نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السُّنَّة" . ثم يحدثنا صلى الله عليه وسلم عن رفع الأمانة فيقول: "ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه؛ فيظل أثرها مثل أثر الوكْت" أي: مثل لسعة النار وهكذا تتوالى؛ حتى يأتي الرَّانُ على القلب.
إذن: فالغفلة تتلصص على النفس الإنسانية، وكلما غفل الإنسان في نقطة، ثم يغفل عن أخرى وهكذا. ولكن من لا يغفل فهو من يتذكر الحكم، ويطبقه، ويذوق حلاوته. ومثال هذا: المسلم الذي يشرح الله تعالى قلبه للصلاة، فإن لم يُصّلِّ يظل مُرْهقاً وفي ضيق.
ولذلك جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيّ قلب أشْرِبها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مُجَخِّياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه" .
إذن: فالغفلة هي أول باب يدخل منه الشيطان؛ فيبعد الإنسان عن أحكام الله. وإذا ما غفل الأب، فالأبناء يُقلِّدون الآباء، فتأتيهم غفلة ذاتية. وهكذا يكون الغافل أسوة لمن بعده.
ولذلك قال الحق سبحانه عن الأبناء الذين يتعبون غفلة الآباء:
{ { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ.. } [البقرة: 170].
وإلْف تقليد الآباء قضية كاذبة؛ لأننا إن سلسنا مسألة الإيمان إلى آدم عليه السلام، وهو الأب الأول لكل البشر؛ لوجدنا أن آدم عليه السلام قد طبَّق كل مطلوب لله، فإن قلت: { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ } فهذا القول يحتم عليك ألا تنحرف عن الإيمان الفطري، وإلا كنت من الكاذبين غير المدققين فيما دخل على الإيمان الفطري من غفلة أو غفلات، تبعها تقليد دون تمحيص.
والحق سبحانه قد شاء أن تكون كل كلمة في القرآن لها معنى دقيق مقصود، فالحق سبحانه يقول على ألسنة الكافرين في القرآن:
{ { إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [الزخرف: 23].
ولم يقل: "مهتدون" بل قال: "مقتدون"، والمقتدي من هؤلاء هو من اتخذ أباه قدوة، لكن المهتدي هو مَنْ ظن أن أباه على حق.
إذن: فالمقتدي هو من لا يهتم بصدق إيمان أبيه، بل يقلده فقط، وتقليد الآباء نوعان: تقليد على أنه اقتداء مطلق لا صلة له بالهدى أو الضلال، وتقليد على أنه هدى صحيح لشرع الله تعالى.
وقد حدث خلاف حول آدم عليه السلام أهو رسول أم نبي فقط؟ فهناك مَنْ قال: إن أول الرسل هو نوح عليه السلام ونقول: وهل من المعقول أن يترك الله الخلق السابقين على نوح عليه السلام دون رسول؟
إن الحق سبحانه وهو القائل:
{ { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24].
والذي أشكل على هؤلاء المفسرين الذين قالوا: إن أول رسول هو نوح عليه السلام أنهم قد فكروا تفكيراً سطحياً، وفهموا أن الرسول يطرأ على المرسل إليهم، وما دام لم يكن هناك بشر قبل آدم فكيف يكون آدم مبعوثاً برسالة، ولمن تكون تلك الرسالة؟
ولم يفطن هؤلاء المفسرون إلى أن آدم عليه السلام كان رسولاً وأسوة إلى أبنائه، فالحق سبحانه قد قال له:
{ { .. فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 38].
وسبحانه قد قال لآدم عليه السلام:
{ { .. فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } [طه: 123].
وما دام الحق سبحانه قد ذكر الهدى، فهذا ذكر للمنهج، وهو الذي طبقه سلوكاً يقلده فيه الأبناء. وغفل هؤلاء المفسرون أيضاً عن استقراء قوله الحق:
{ { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً.. } [المائدة: 27].
وابْنَا آدم عليه السلام قد قدَّما القربان إلى الله تعالى. إذن: فهما قد عرفا أن هناك إلهاً.
وحين قال قابيل لأخيه:
{ { لأَقْتُلَنَّكَ } [المائدة: 27].
بعد ما تقبل الله قربان أخيه ولم يتقبل منه. قال هابيل:
{ { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [المائدة: 27].
ثم في قول هابيل:
{ { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [المائدة: 28].
إذن: لو لم يكن آدم عليه السلام رسولاً فمن بلَّغ أبناءه بأن الله يثيب ويعاقب؟
والحق سبحانه يقول في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } وفي هذا إشارة إلى أن الله سبحانه - قبل رسالة محمد عليه الصلاة والسلام - كان يعاقب مَن يكذِّب البلاغ عنه وما جاء به السابقون من الرسل، يقول سبحانه:
{ { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [العنكبوت: 40].
إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال الله تعالى:
{ { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال: 33].
أي: أنه سبحانه قد أجَّلَ الجزاء والعقوبة عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الآخرة. وهذه الكلمة التي سبقت، أنه سبحانه لا يؤاخذ أمة محمد صلى الله عليه وسلم بذنوبهم في الدنيا، ولكنه يؤخِّر ذلك إلى يوم الجزاء. ويقضي سبحانه في ذلك اليوم بين من اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ومن عاندوه، وبطبيعة الحال يكون الحق سبحانه في جانب من أرسله، لا من عاند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول سبحانه بعد ذلك:
{ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ... }.