التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٩
-يونس

خواطر محمد متولي الشعراوي

هنا يتحدث الحق سبحانه عن المقابل، وهم الذين آمنوا، ويعُلِّمنا أنه سبحانه: { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ }.
والهداية - كما قلنا من قبل - معناها الدلالة على الخير، بالمنهج الذي أرسله الحق سبحانه لنا، وبه بيَّن الحق السُّبُلَ أمام المؤمن والكافر، أما الذي يُقبل على الله بإيمان فيعطيه الحق سبحانه وتعالى هداية أخرى؛ بأن يخفف أعباء الطاعة على نفسه، ويزيده سبحانه هدى بالمعروف؛ لذلك قال سبحانه:
{ { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } [البقرة: 45].
وهكذا يتلقى المؤمن مشقات الطاعة بحب؛ فيهونّها الحق سبحانه عليه ويجعله يدرك لذة هذه الطاعة؛ لتهون عليه مشقتها، ويمده سبحانه أيضاً بالمعونة.
يقول الحق سبحانه:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ }.
وما داموا قد آمنوا؛ فسبحانه يُنزِل لهم الأحكام التي تفيدهم في حياتهم وتنفعهم في آخرتهم، أو أن الهداية لا تكون في الدنيا بل في الآخرة، فما دامو قد آمنوا، فهم قد أخذوا المنهج من الله سبحانه وتعالى وعملوا الأعمال الصالحة، يهديهم الحق سبحانه إلى طريق الجنة.
ولذلك يقول الحق سبحانه:
{ { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم... } [الحديد: 12].
ويقول سبحانه:
{ { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ... } [التحريم: 8].
أي: أن نورهم يضيء أمامهم. أما المنافقون فيقولون للذين آمنوا:
{ { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ... } [الحديد: 13].
أي: أن هذا ليس وقتَ التماس النور، فالوقت - لالتماس النور - كان في الدنيا؛ باتباع المنهج والقيام بالصالح من الأعمال.
إذن: فالحق سبحانه يهدي للمؤمنين نوراً فوق نورهم في الآخرة.
والآية تحتمل الهداية في الدنيا، وتحتمل الهداية في الآخرة.
ويصف الحق سبحانه حال المؤمنين في الآخرة فيقول: { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [يونس: 9].
وقلنا: إن الجنة على حوافِّ الأنهار؛ لأن الخضرة أصلها من الماء. وكلما رأيتَ مجرى للماء لا بد أن تجد خضرة، والجنات ليست هي البيوت، بدليل قول الحق سبحانه:
{ { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ... } [التوبة: 72].
ونجد الحق سبحانه يقول مرة:
{ { تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ... } [التوبة: 100].
ويقول سبحانه في مواضع أخرى:
{ { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ... } [البقرة: 25].
والحق سبحانه يعطينا صوراً متعددة عن الماء الذي لا ينقطع، فهي مياه ذاتية الوجود في الجنة لا تنقطع أبداً.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك:
{ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ ... }.