التفاسير

< >
عرض

إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
٥٤
-هود

خواطر محمد متولي الشعراوي

و"إن" التي تُفتتح بها الآية الكريمة أداة شرطية، وأداة "إن" الشرطية يأتي بعدها جملة شرط، وجواب شرط، فإن لم تكن كذلك فهي تكون بمعنى النفي؛ مثل قول الحق سبحانه: { { إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ .. } [المجادلة: 2].
وهنا يقول الحق سبحانه:
{ إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ .. } [هود: 54].
أي: "ما نقول إلا اعتراك".
وهكذا نعلم أن كلمة "إنْ" هنا جاءت بمعنى النفي.
و"إلا" هي أداة استثناء، وقبلها فعل هو "نقول"، وإذا وجدت أداة استثناء، ولم يذكر المستثنى منه صراحة، فاعلم أنه واحد من ثلاثة: إما أن يكون مصدر الفعل، وإما أن يكون ظرف الفعل، وإما أن يكون حال الفعل.
وعلى ذلك فمعنى الآية الكريمة:
وما نقول لك إلا أنَّ آلهتنا أصابتك بسوء؛ لأنك سَفَّهتهم وأبْطَلتَ ألوهيّتهم، وجئتَ بإلهٍ جديدٍ من عندك، فأصابتك الآلهة بسوء - يراد به الجنون - فأخذتَ تخلط في الكلام الذي ليس له معنى.
ويردُّ عليهم هود عليه السلام بما جاء في نفس الآية:
{ .. قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } [هود: 54].
وهو يُشهِد الله الذي يثق أنه أرسله، ويحمي ذاته، ويحمي عقله؛ لأن عقل الرسول هو الذي يدير كيفية أداء البلاغ عن الله.
والحق سبحانه وتعالى لا يمكن أن يرسل رسولاً ولا يحميه.
وقد قال الكافرون عن سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أنه مجنون؛ فأنزل الحق سبحانه وتعالى قوله الكريم:
{ { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 2-4].
ونحن نعلم أن المجنون لا خُلُق له، وفي هذا البيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قمة العقل؛ لأنه في قمة الخُلُق الطيِّب.
وهنا يُشهد هود عليه السلام قومه ويطالبهم أن يرجعوا إلى الفطرة السليمة، ويحكموا: أهو مجنون أم لا، ويشهدهم أيضاً أنه بريء من تلك الآلهة التي يُشركون بعبادتها من دون الله تعالى.
ثم يقول الحق سبحانه ما جاء على لسان هود عليه السلام:
{ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ... }.