التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ
٥٢
-يوسف

خواطر محمد متولي الشعراوي

قالت ذلك حتى تُعلِنَ براءة يوسف عليه السلام، وأنها لم تنتهز فرصة غيابه في السجن وتنتقم منه؛ لأنه لم يستجِبْ لمُراودتها له، ولم تنسج له أثناء غيابه المؤامرات، والدسائس، والمكائد.
وهذا يدلُّنا على أن شِرَّةَ الإنسان قد تتوهج لغرض خاص، وحين يهدأ الغرض ويذهب، يعود الإنسان إلى توازنه الكمالي في نفسه، وقد يجعل من الزَّلة الأولى في خاطره وسيلة إلى الإحسان فيما ليس له فيه ضعف، كي تستر الحسنةُ السيئة، مصداقاً لقول الحق سبحانه:
{ { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } [هود: 114].
ولو أن إنساناً عمل سيئة وفضحه آخر عليها؛ فالفاضح لتلك السيئة إنما يحرم المجتمع من حسنات صاحب السيئة.
ولذلك أقول: استروا سيئات المسيء؛ لأنها قد تلهمه أن يقدم من الخير ما يمحو به سيئاته.
ولذلك قالوا: إذا استقرأتَ تاريخ الناس، أصحاب الأنفس القوية في الأخلاق والقيم؛ قد تجد لهم من الضعف هنات وسَقَطات؛ ويحاولون أن يعملوا الحسنات كي تُذهِب عنهم السيئات؛ لأن بالَ الواحد منهم مشغولٌ بضعفه الذي يُلهِبه؛ فيندفع لفعل الخيرات.
وبعد أن اعترفتْ امرأة العزيز بما فعلت؛ قالت:
{ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ } [يوسف: 52].
أي: أنها أقرَّتْ بأنه سبحانه وتعالى لا يُنفِذ كيد الخائنين، ولا يُوصِّله إلى غايته.
وتواصل امرأة العزيز فتقول:
{ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ ... }.