التفاسير

< >
عرض

فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ
٧٦
-يوسف

خواطر محمد متولي الشعراوي

وكان الهدف من البَدْء بتفتيش أوعيتهم؛ وهم عشرة؛ قبل وعاء شقيقه، كي ينفي احتمال ظنِّهم بأنه طلب منهم أن يأتوا بأخيهم معهم ليدبر هو هذا الأمر، وفتش وعاء شقيقه من بعد ذلك؛ ليستخرج منه صُوَاع الملك؛ وليُطبِّق عليه قانون شريعة آل يعقوب؛ فيستبقي شقيقه معه. وهذا دليل على الذكاء الحكيم.
وهكذا جعل الحق سبحانه الكيد مُحْكماً لصالح يوسف، وهو الحق القائل:
{ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ .. } [يوسف: 76].
أي: كان الكيد لصالحه.
ويتابع سبحانه:
{ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ .. } [يوسف: 76].
أي: ما كان يوسف ليأخذ أخاه في دين الملك الذي يحكم مصر؛ لولا فتوى الإخوة بأن شريعتهم تحكم بذلك.
ويتابع سبحانه:
{ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف: 76].
وهكذا رفع الله من شأن يوسف، وكَادَ له، وحقَّق له أمله، وهو يستحق كل ذلك؛ ورفعه سبحانه درجاتٍ عالية من العلم والحكمة.
ولم يكُنْ الكيد بسبب أن يُنزِل بشقيقه عذاباً أو ضياعاً، بل نريد ليوسف ولأخيه الرِّفْعة، فكأن كثيراً من المصائب تحدث للناس، وهم لا يَدْرون ما في المحنة من المِنَح.
وعلى المؤمن أن يعلم أن أيَّ أمر صعب يقع عليه من غير رأي منه؛ لا بُدَّ وأن يشعر أن فيه من الله نفعاً للإنسان.
وإخوة يوسف سبق أنْ كَادوا له، فماذا كانت نتيجة كَيْدهم؟
لقد شاء الحق سبحانه أن يجعل الكيد كله لصالح يوسف، وجعله سبحانه ذَا علم، فقال:
{ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف: 76].
و(ذي علم) أي: صاحب علم. وكلاهما مُنْفصل، أي: هناك "صاحب"، وهناك "علم"، والصاحب يوجد أولاً؛ وبعد ذلك يطرأ عليه العلم؛ فيصير صاحبَ عِلْم، ولكن فوقه:
{ عَلِيمٌ } [يوسف: 76].
أي: أن العلم ذاتيّ فيه، وهو الحق سبحانه وتعالى.
فماذا كان موقف إخوة يوسف؟
بطبيعة الحال لا بد أنهم قد بُهِتوا، أول تصرف منهم كان لا بُدَّ أن ينصرف إلى الأخ الذي وُجدت السقاية في رَحْله؛ وأخذوا يُوبِّخونه؛ لأنه أحرجهم وفضحهم، وبحثوا عن أسباب عندهم للحفيظة عليه؛ لا للرفق به.
وموقفهم المُسْبق منه معروف في قولهم:
{ { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ .. } [يوسف: 8].
وهم يعلمون أن يوسف وأخاه من امرأة أخرى هي "راحيل"، ولو كان شقيقاً لهم لَتلَّطفوا به. وأوضح لهم: إن مَنْ جعل البضاعة في رِحَالي هو مَنْ جعل البضاعة في رِحَالكم.
وهنا قال أحد الإخوة: تالله، يا أبناء راحيل، ما أكثر ما نزل علينا من البلاء منكم، فَرَدَّ بنيامين: بنو راحيل نزل عليهم من البلاء منكم فوق ما نزل عليكم من البلاء منهم.
ويُورد الحق سبحانه هنا قولهم:
{ قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ ... }.