التفاسير

< >
عرض

مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ
١٦
-إبراهيم

خواطر محمد متولي الشعراوي

أي: من خلف الجبار المُتعنِّت بالكفر جهنمُ، وما فيها من عذاب. وفي العامية نسمع مَنْ يتوعد آخر ويقول له "وراك... وراك" ويعني بذلك أنه سيُوقع به أذىً لم يَأتِ أوانه بَعْد.
وكلمة "وراء" في اللغة لها استخدامات متعددة؛ فمرَّة تأتي بمعنى "بَعْد" والمثل في قوله تعالى عن امرأة إبراهيم عليه السلام:
{ { وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } [هود: 71].
أي: جاء يعقوب من بعد إسحاق.
ومرّة تُطلق "وراء" بمعنى "غير" مثل قول الحق سبحانه:
{ { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } [المؤمنون: 5-7].
وهنا يقول الحق سبحانه:
{ مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ .. } [إبراهيم: 16].
ونعلم أن جهنم ستأتي مستقبلاً، أي: أنها أمامه، ولكنها تنتظره؛ وتلاحقه.
ويتابع الحق سبحانه:
{ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } [إبراهيم: 16].
والصديد هو الماء الرقيق الذي يخرج من الجُرْح، وهو القَيْح الذي يسيل من أجساد أهل النار حين تُشْوى جلودهم.
ولنا أن نتصورَ حجم الألم حين يحتاج أحدهم أن يشرب؛ فيُقدَّم له الصديد الناتج من حَرْق جلده وجُلُود أمثاله. والصديد أمر يُتأفَّفُ من رؤيته؛ فما باَلُنَا وهو يشربه، والعياذ بالله.
ويقول الحق سبحانه متابعاً لِمَا ينتظر الواحد من هؤلاء حين يشرب الصديد:
{ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ ... }.