التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
١٥٦
-البقرة

خواطر محمد متولي الشعراوي

والمصيبة هي الأمر الذي ينال الإنسان منه المشقة والألم، وهي مأخوذة من إصابة الهدف. والمؤمن يستقبل المصيبة واثقاً أنها على قدر إيلامها يكون الثواب عليها، ولذلك عندما فرح الكفار بما يصيب المسلمين في بعض المعارك، أنزل الله ذلك القول الحق للمؤمنين: { قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا .. } [التوبة:51].
أي قولوا أيها المؤمنون لهؤلاء الحمقى من الكافرين: إنه لن يحدث لنا إلا ما كتبه الله.
وعندما نتأمل قوله الحق:
{ { إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا .. } [التوبة: 51] أي أن المسألة ستكون لحسابنا، وسنأخذ عليها حسن الثواب من الله، ولم يقل الحق: كتب الله علينا، لأنها لو كانت كذلك لكان معناها أنها جزاء وعقاب من الله.
وأي أمر يصيب الإنسان، إما أن يكون له دخل فيه، وعند ذلك لا يصح أن يجزع لأنه هو الذي جاء بالأمر المؤلم لنفسه، وإما أن تكون مصيبة لا دخل له بها، وحدثت له من غيره مثلاً، وعند ذلك عليه أن يبحث عن سببها: أعدلاً أم ظلماً؟ إن كانت عدلاً فهي قد جبرت الذنب، وإن كانت ظلماً فسوف يقتص الله له ممَّن ظلمه، وعلى هذا فالمؤمن في كلتا الحالتين رابح.
إذن فالمؤمن يستقبل كل مصيبة متوقعاً أن يأتي له منها خير. وعلى كل مؤمن أن يُقَيِّم نفسه تقييماً حقيقياً، "هل لي على الله حق؟ أنا مملوك لله وليس لي حق عنده، فما يجريه عليَّ فهو يجريه في ملكه هو". ومَنْ لا يعجبه ذلك فلْيتأَبَّ على أي مصيبة؛ ويقول لها: "لا تصيبيني"، ولن تستطيع درء أي مصيبة - وما دمنا لا نستطيع أن نمنع وقوع المصائب والأحداث، فلنقبلها - كمؤمنين - لأن الحق سبحانه وتعالى يريد بنسبتنا إليه أن يعزنا ويكرمنا. إنه يدعونا أن نقول: { إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البقرة: 156]. إننا بهذا القول ننسب ملكيتنا إلى الله ونقبل ما حدث لنا. ولابد لنا هنا أن نأتي بمثال - ولله المثل الأعلى - هل رأيت إنساناً يفسد ملكه؟ أبداً.
إن صاحب الملك يعمل كل ما يؤدي إلى الصلاح في ملكه، وإن رأى الناس في ظاهر الأمر أنه فساد، فما بالنا بالله سبحانه وتعالى ونحن ملك له، وهو سبحانه لا يُعرِّض ملكه أبداً للضرر، وإنما يقيمه على الحكمة والصلاح.
{ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البقرة: 156] أي نحن مملوكون لله، ونحن راجعون إليه، وحتى إن كان في مصائب الدنيا ظلم لنا وقع علينا من إنسان، فسوف نأخذ ثواب ما ظُلمنا فيه عند الرجوع إلى الله، إذن فنحن لله ابتداء بالملكية، ونحن لله نهاية في المرجع؛ وهو سبحانه ملك القوسين؛ الابتداء والانتهاء، ولذلك علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أي مصيبة تصيب الإنسان أن يسترجع؛ أي أن يقول: { إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البقرة: 156]. وزادنا أيضاً أن نقول:
"اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها" إنك إذا ما قلتها عند أي مصيبة تصيبك فلا بد أن تجد فيما يأتي بعدها خيراً منها، وحتى إن نسي الإنسان أن يقول ذلك عند وقوع المصيبة، ثم تذكرها وقالها فله جزاؤها، كأنه قالها ساعة المصيبة.
وهناك قصة عن أم سلمة رضي الله عنها؛ حين مات أبو سلمة زوجها - وكان ملء السمع والبصر - وجزعت عليه أم سلمة، فقيل لها قولي: ما علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وما علَّمكم؟ قالوا: "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها" فقالت ما قيل لها، فإذا بها بعد انقضاء عدتها يذهب إليها النبي خاطباً، فقيل لها: أوجد خير من أبي سلمة أم لم يوجد؟ قالت: ما كنت لأتسامى - أي أتوقع - مثل هذا الموقف".
فإذن، كل مصيبة يتعرض لها الإنسان يجب أن يقول عندها: "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها".
وماذا يكون حال الذين يقولون هذا الدعاء؟. ها هو ذا الحق سبحانه وتعالى يقول:
{ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ... }.