التفاسير

< >
عرض

فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي
٨٦
-طه

خواطر محمد متولي الشعراوي

رَجَع: تُستعمل لازمة. مثل: رجع فلان إلى الحق. ومُتعدِّية مثل { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ .. } [التوبة: 83] والمعنى فيهما مختلف.
هنا رجع موسى أي: حين سمع ما حدث لقومه من فتنة السامري { غَضْبَانَ أَسِفاً .. } [طه: 86] أي: شديد الحزن على ما حدث { قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً .. } [طه: 86] الوعْد الحسن أن الله يعطيهم التوراة، وفيها أصول حركة الحياة، وبها تَحسُن حياتنا في الدنيا، ويحسُن ثوابنا في الآخرة.
وقوله: { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ .. } [طه: 86].
يعني: أطال عهدي بكم، وأصبح بعيداً لدرجة أنْ تنسَوْه ولم أَغبْ عنكم إلا مُدَّة يسيرة. قال الله عنها:
{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ .. } [الأعراف: 142].
ثم يقول: { أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } [طه: 86].
وما دام أن عهدي بكم قريب لا يحدث فيه النسيان، فلا بُدَّ أنكم تريدون العصيان، وتبغُون غضب الله، وإلاّ فالمسألة لا تستحق، فبمجرد أنْ أغيبَ عنكم تنتكسون هذه النكسة، وإن كان هذا حال القوم ورسولُهم ما زال بين أظهرهم، فما بالهم بعد موته؟
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"أذلك وأنا بين ظَهْرانيكم؟" .
أي: ما هذا الذي يحدث منكم، وأنا ما زلت موجوداً بينكم؟
وقوله: { فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } [طه: 86] وفي آية أخرى قال:
{ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ .. } [الأعراف: 150] فكأنه كان له معهم وَعْد وكلام، فقد أوصاهم قبل أن يُفارقهم أنْ يسلكوا طريق هارون، وأن يطيعوا أوامره إلى أنْ يعود إليهم، فهارون هو الذي سيخلفه من بعده في قومه، وهو شريكه في الرسالة، وله مهابة الرسول وطاعته واجبة.
هذا هو الوَعْد الذي أخلفوه مع نبيهم موسى - عليه السلام -.