التفاسير

< >
عرض

ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ
٨
-الحج

خواطر محمد متولي الشعراوي

تكلمنا في أول السورة عن الجدل بالعلم والموعظة الحسنة وقلنا: العلم إما علم بَدْهي أو علم استدلالي عقليّ، أو علم بالوحي من الله سبحانه، أما هؤلاء الذين يجادلون في الله بغير علم بدهي { وَلاَ هُدًى .. } [الحج: 8] يعني: علم استدلالي عقلي، { وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } [الحج: 8] يعني: وحي من الله، فهؤلاء أهل سفسطة وجدل عقيم لا فائدة منه، وعلى العاقل حين يصادف مثل هذا النوع من الجدال أن لا يجاريه في سفسطته؛ لأنه لن يصل معه إلى مفيد، إنما عليه أنْ ينقله إلى مجال لا يحتمل السفسطة.
ولنا في هذه المسألة مثَلٌ وقُدْوة بسيدنا إبراهيم - عليه السلام - حينما جادل النمرود، اقرأ قول الله تعالى:
{ { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ .. } [البقرة: 258].
لقد اتبع النمرودُ أسلوب السَّفْسَطة حين قال
{ { أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ .. } [البقرة: 258] لأنه ما فعل حقيقةَ الموت، ولا حقيقة الحياة، فأراد إبراهيم أن يُلجئه إلى مجال لا سفسطة فيه؛ لينهي هذا الموقف ويسدّ على خَصْمه باب اللدد والتهريج، فقال: { { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ .. } [البقرة: 258] وكانت النتيجة أنْ حَارَ عدو الله جواباً { { فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ .. } [البقرة: 258] أي: دُهِش وتحيَّر.