التفاسير

< >
عرض

وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ
١١٢
وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ
١١٣
-الصافات

خواطر محمد متولي الشعراوي

هذه العطاءات كلها نتيجة { { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } [الصافات: 103] لأن الابتلاء الذي وقع لسيدنا إبراهيم كان ابتلاءً مُركباً من مراحل ثلاث: فَقْد الولد الذي جاء على كِبَر، وأنْ يقتله بيده، ثم تاج هذه المراحل أنْ يُقتلَ ولده برؤيا منامية؛ لذلك جاءه الجزاء على قَدْر هذه العقبات في الابتلاء، { { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } [الصافات: 107].
والفداء فِدَاء إسماعيل من الذبح فعاش إسماعيل، ثم زاده الله فأعطاه إسحاق { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [الصافات: 112] فهو أيضاً نبي، وفي آية أخرى قال سبحانه:
{ { وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } [هود: 71] ويعقوب أيضاً نبي. إذن: كلُّ هذا الخير جاء ثمرة الاستسلام لله تعالى والرضا بحكمه؛ لذلك صدق القائل:

سَلِّمْ لِربِّكَ حُكْمَهُ فَلِحكْمَةٍ يَقْضِي وَحَتَّى تَسْتفِيدَ وتَسْلَمَا
واذْكُرْ خلِيلَ اللهِ فِي ذَبْح ابْنِهِ إذْ قَالَ خالِقُهُ فلَمَّا أَسْلَمَا

ثم يمتد هذا العطاء، فيقول سبحانه: { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ } [الصافات: 113].
فلما تكلَّم الحق سبحانه عن الذرية، قال: { وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ } [الصافات: 113] يعني: الذرية فيها هذا وذاك، الخير والشر.
هكذا عرضتْ لنا هذه الآيات قصة سيدنا إبراهيم على وجه الاختصار، حيث لم تتعرَّض لكل الأحداث .. وينبغي هنا أنْ نذكر معركةَ الأديان في مسألة الذبيح، فالمسلمون يعتقدون أن الذبيح إسماعيل، وغير المسلمين يقولون: الذبيح إسحاق، وهذا القول مردود من عدة وجوه:
أولاً: لو كان الذبيح إسحاق لكانت مسألةُ الذبح والفداء وما يتعلق بهما من مناسك مَغْداها ومَراحها بأرض الشام، حيث عاشَ هناك سيدنا إسحاق، أما وهي تُفعل في أرض الحجاز حيث وُلِدَ وعاش سيدنا إسماعيل، فهذا دليل من الواقع على أن الذبيح إسماعيل.
ثانياً: ثم معنا دليل من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال:
"أنا ابْنُ الذبيحين" أي: الذبيحين اللذين كان لهما فداء من الذبح، وتعلمون أن الذبيح الأول هو عبد الله أبو النبي، وقد فداه أبوه من الذبح بمائة ناقة، أما الذبيح الثاني فإسماعيل عليه السلام الذي فَدَاه ربه بكبش.
فإنْ أنكر غيرنا هذه الأدلة لأنهم لا يؤمنون بها، فعلينا أنْ نأتيهم بدليل من كتبهم؛ لأن الإنسان لا يُصدِّق إلا بما يؤمن به، فلو حلفتَ للكافر باللات والعزى فإنه لا يُصدِّقك؛ لأنه يعلم أنك لا تؤمن باللات والعزى، والإنسان لا يحلف إلا بما يُعظِّمه. ولو قُلْتَ له: والله لصَدَّقك.
لذلك نسوق لغير المسلمين هذا الدليل من التوراة التي يؤمنون بها، وقد ترك الله لنا في الكتب السابقة على القرآن مواضع تؤيد ما جاء به القرآن، وما زالت هذه المواضع موجودة، وكأن الله أعماهم عنها لتظلَّ دليلاً على الحقيقة التي لا يعترفون بها.
وعليهم أن يقرأوا في الأصحاح الثالث والعشرين في سفر التكوين (وأوحى الله إلى إبراهيم أن اصعد بابنك الوحيد جبل الموريا وقدَّمْه قرباناً لي) ومتى كان إسحاق عليه السلام وحيداً وقد وُلِد إسحاق وعمر إسماعيل أربعة عشر عاماً. وفي الأصحاح الرابع والعشرين (وُلِد إسحاقُ وعمر إسماعيل أربع عشرة سنة).