التفاسير

< >
عرض

فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً
١٧٣
-النساء

خواطر محمد متولي الشعراوي

لماذا لم يأت الله بشرط الآية الثاني الذي يتحدث عن المستنكفين والمستكبرين مقدماً على شطر الآية الأول؟. ولماذا لم يواصل الحديث عن الذين استنكفوا واستكبروا ليستكمل ما جاء بشأنهم في الآية السابقة ويبينْ كيف أن مصيرهم إلى العذاب حيث لا يجدون من دون الله ولياً ولا نصيراً، ثم بعد ذلك يحدثنا عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات؟.
ذلك أن الحق ساعة يتكلم عن جماعة خرجت عن المنهج فهو لا يمنحهم ثواب هؤلاء الذين لم يخرجوا عن المنهج، فيأتي أوّلاً بثواب الطائعين ليستشرف إليه الخارجون عن طاعة الله، ثم يحرمهم من هذا الثواب لتكون حسرة الخارجين عن المنهج أشد. "والضد يظهر حسنه الضد".
لقد قال الحق: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } ونعلم أن الأجر على العمل. لماذا الفضل إذن؟. لقد عرفنا من قبل أن العمل جاء فيه حديث شريف:
"لن يُدخل أحداً عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا ولا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب"
). والحق قد قال: { { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [يونس: 58]
وفطن الناس إلى ذلك فقالوا: "اللهم بالفضل لا بالعدل"؛ لأن الفضل هو الذي يعطينا المنازل المتميزة، وقد يضيعنا العدل.
ويقول الحق مرة أخرى عن هؤلاء الذين استنكفوا واستكبروا: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } أي أنهم لن يجدوا من يشفع لهم عند الله، ولا من ينصرهم ولا أحد بقادر أن يرد عنهم العذاب.
وبعد ذلك يقول الحق:
{ يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ ... }.